لا يزال العرب والمسلمون يعانون سلبياً من أحداث سبتمبر 2001. ولكن هل هناك ما قد يكون إيجابياً لنا في هذا السياق؟
فيما يخصنا، هناك اتفاق عام على أن هذا الحدث قد تم استغلاله إلى أقصى حد للإساءة إلى صورة العرب والمسلمين. حتى أن السياسة الدولية تتلون بما يسمى "الإسلاموفوبيا" أو كراهية الإسلام، وليس هناك مبرر لتفصيل هذه الآثار السلبية بالنسبة للعرب والمسلمين، فهناك اتفاق عام عليها.
هناك وجه آخر لآثار أحداث سبتمبر 2001 فيما يخصنا، وهو وجه غير معروف وحتى مهمل، هو الاهتمام المتزايد بالمعرفة عن العرب والإسلام، ويكفي للدلالة على ذلك أن نرى عدد الطلبة الأجانب الوافدين للدراسة في جامعاتنا ومعاهدنا، وكذلك عدد الباحثين الذين يقومون بالكتابة والنشر عن أحوالنا، أو تغطية الصحف العالمية لأخبارنا، والكتب المتزايدة -حتى في المطارات وأكشاك الصحف- التي تحلل أو تحاول تحليل طريقة تفكيرنا وتطورات مجتمعنا. في الحقيقة هذه كلها مؤشرات علمية -أي يمكن الوثوق بها- تعكس الاهتمام العالمي بهذه المنطقة.
وهذا الاهتمام المعاصر يختلف عن الاهتمام العالمي السابق، تاريخياً كان الإسلام ينصب على محاولة السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها، ولذلك كان يتركز أساساً داخل أروقة الحكومات ويعتمد على تجنيد الخبراء. أما الاهتمام العالمي الحالي، فهو جد مختلف، حيث يتعدى أروقة الحكومات في لندن أو واشنطن أو باريس ليعبر عن فضول من جانب الشعوب والجماعات المختلفة نفسها في أوروبا وأميركا، كما أنه يختلف في الهدف أيضاً، فهو يتعدى السيطرة السياسية والاستغلال الاقتصادي ليحاول أن يتعرف على ما يسمى "التركيبة الذهنية العربية"، وهو في ذلك يبحث عن كل وسائل الاتصال المباشر بالشعوب العربية نفسها، وقراءة وسائل إعلامها أو مشاهدة أفلامها أو ترجمة أمهات كتبها وقصصها.
ويجب أن نعترف أن خصوم العرب والمسلمين كانوا أكثر نشاطاً في استغلال هذا الشغف الشعبي الغربي، فبعض الصحف الغربية في مجتمع فيه منافسة قوية، تحاول زيادة مبيعاتها عن طريق نشر قصص أو أخبار "مثيرة" عن العالم العربي ولكن خارج سياقها الطبيعي، فيتم التركيز مثلاً على أن العرب والمسلمين في غالبيتهم يمارسون تعدد الزوجات أو أن السرقة عقوبتها قطع اليد وأن الزنا ينتج عنه ردم المرأة دون المساس بالرجل، وأن ختان البنات هو القاعدة العامة لقتل أنوثة المرأة... بل تخصصت بعض المحطات التليفزيونية الغربية في هذه الإثارة وخاصة حول أخبار مثل منع السيدات من قيادة السيارات في السعودية. وبالتالي تم استغلال الفضول الشعبي الغربي لتصوير العرب والمسلمين على أنهم شعوب غير متحضرة لا تزال تعيش في غياهب العصور الوسطى التي شهدتها أوروبا منذ حوالى عشرة قرون.
ماذا فعلنا نحن العرب في هذه الآونة؟ لم ننتبه بالمرة لهذا السياق الإيجابي العارض -أي الشغف الشعبي الغربي- الذي أعقب أحداث سبتمبر 2001، وبالتالي تركنا الساحة مفتوحة وسهلت السيطرة عليها من جانب خصومنا. ثم عندما صحونا من غفلتنا، لم تقم المنظمات الكبيرة مثل الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي مثلاً بتخطيط سياسة إعلامية واضحة لممارسة دبلوماسية الشعوب، ولم تقم صحفنا وفضائياتنا مثلاً بالتوجه إلى القارئ والمشاهد الغربي باللغة الإنجليزية مثلاً، كما تتوجه إلى المواطن العربي إذاعة "سوا" الأميركية أو قناة "الحرة" الأميركية أيضاً، وأستطيع الاستمرار في ذكر الكثير والكثير من أمثلة القصور.
إذا كان هناك نقص في الموارد، فقد يكون الارتفاع الكبير في أسعار البترول حالياً الفرصة المواتية لاستخدام جزء من هذه الثروة البترودولارية، لعرض وجهة نظرنا في الإعلام الغربي والإفصاح عن العربي-المسلم على حقيقته.