من الطبيعي أن يصاب الإنسان بأي مرض لحكمة أرادها الخالق لابد من التسليم به وفي عالم الطب يعد السرطان شيئا مرعبا يفقد الفرد فيه توازنه وفي كثير من الأحيان يتسلل إلى المصاب به خلسة، فتمثل صدمة له ولمن حوله، إلا أنه في النهاية لا يعتبر مرضا معديا، هذا في عالم الأجسام عندما تسقم، أما في عالم النفوس فإن سرطانها يعتدي على الغير، فعندما تتورم النفوس وتتضخم إلى درجة التسرطن فإن البيئة حولها تشكو من آثارها الجانبية على الجماد وعلى الإنسان في آن واحد.
فالتعامل المباشر مع الإنسان المصاب بهذا النوع من السرطان النفسي متعب للغاية، فلا شيء يرضيه إلا المزيد من التورم على الآخرين الذين يودون أن يكون بينهم خيط من المرض الطبيعي الذي يتساوى الناس فيما بينهم حياله كأمر إنساني مجرد تماما عن الأهواء.
فمن صفات هذه النفوس المسرطنة أنه يصعب على المقابل اكتشاف حيلة للالتفاف حول هذا المرض من أجل الوصول إلى نقاط التقاء يمكن من خلالها إنجاز أي عمل يهم المصلحة العامة دون الدخول في التفاصيل الشخصية.
يضطر الإنسان أحيانا التعامل مع المركبات لسنوات تصاحبه ويصاحبها، فما أن يأتي وقت التفكير باستبدالها، فلا يمكن له اتخاذ القرار الفوري للتخلص منها إلا وقد مر على صاحبها فترات اشتياق لها والخوف من فقدانها وقد قضى فيها ساعات من السعادة الغامرة في قيادتها، هذا شأن من يتعامل مع الحجارة (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار)، ولكن مع ذلك فهناك في البشر من أصحاب تلك النفوس المسرطنة وهي أشد من حجر الصوان صلابة، فالتخلص من تلك الأورام أعجز الأطباء النفسيين عن إيجاد الدواء النافع لهذا الداء العضال.
فكلما تحرك هذا الإنسان المسرطن نفسيا في أي مكان، كان أول غيثه هو انفضاض الناس من حوله وتركه وحيدا يعاني من مرضه الذي عز على الشفاء، فلو كان سرطانه طبيعيا أو طبيا فإن الاستسلام للقدر المحتوم جزء من العلاج الحقيقي له وتجاهله لمن يملك قوة النفس والروح إحدى طرق الشفاء أما النوع الذي نحن بصدد تناوله فلا يجدي معه استسلام لأنه بالنسبة إليه مزيد من التورم حول الآخرين من الذين لا يرون منه إلا آلة تعذيب متحركة فالكل يسعى لتجنبه إلا بالقدر المحتوم فهو كالدواء الذي لا يقبل إلا أن يكون طعمه مرا مع أن الصيدليات حافلة بالأدوية التي تقطر سكرا وعسلا.
سبحان الذي خلق من البشر أناسا جعل شقاءهم في أنفسهم فهم لا يحتاجون لعوامل خارجية للوقوع في شر أعمالهم، فمن استطاع عدم الاحتكاك بهم سلم منهم ومن أذاهم وإن كانوا يبحثون عن الأذى للآخرين ولو بصورة رسمية مقبولة لدى البعض الذي يجعل من هذا الصنف أمرا واقعا لا مفر من التعاطي معه كالقدر الذي لا مفر منه.
فالنفوس التي تتورم حول ذاتها تؤذي صاحبها قبل غيرها إلا أنها تشعر بلذة في تنصيب شراك الأذى للآخرين من الذين يؤثرون السلامة على الاصطدام المباشر بنفوس ارتفعت لعلة في صاحبها يأبى ويصعب عليه التخلص منها لأنه يحيى بها وبغير ذلك لا يشعر بوجوده غير المرضي عنه وإن شعر بالنشوة عندما يرى لنفسه صورة مكبرة في مرآة مقعرة لا تعرف غير التشويه، فلا يرى من الوجود غير تلك الصورة المختلة التي تعكس ما في نفسه من تجمع الأمراض فيها، فلا يثق إلا بما يقوم به من الأعمال التي يرى فيها الكمال وفي غيرها النقص المستمر.