حرص محمد عارف في مقاله المنشور على هذه الصفحات يوم الخميس الماضي، وعنوانه "وضع العراق عشية الاستفتاء على الدستور"، على اقتباس كل التقارير والتصريحات التي تتحدث عن ظهور حالات فساد في عراق ما بعد صدام، واستشهد بتقرير "وضع العراق" الصادر عن معهد بروكينغز الأميركي، وتقرير آخر لمنظمة الشفافية الدولية، كما استشهد بتصريحات لمسؤول متقاعد من وزارة الدفاع العراقية!
لكن السؤال الذي يجب طرحه هنا هو: هل كل التقارير المختصة والمهتمة بحالة العراق تجمع على وجود فساد واسع في هذا البلد؟ وهل إذا وجدت حالة فساد في وزارة ما فذلك يعني حتما أن باقي الوزارات فاسدة جميعا؟ وهل الفساد حالة عامة ومستشرية في العراق الراهن، أم هو حالة فردية مثلما هو الحال في الدول التي تقدمت في مجال الرقابة والمحاسبة؟
أعتقد أن تلك أسئلة ضرورية كان يتعين على الكاتب أن يضعها نصب عينيه وهو يحاكم المرحلة الحالية ويحمل قياداتها كل اللوم في حالات فساد تم الكشف عنها وإيقاع العقاب بكل من أمكن عقابه من منفذيها!
ولنفترض مع محمد عارف أن كل الحالات التي ذكرها حقيقية تماما وقد وقعت فعلا، بل أكثر من ذلك لنفترض معه صحة التعميمات التي أراد استخلاصها من حالات محدودة، لكن ماذا بعد؟! وهل يريد الكاتب المحترم أن يقول إن مرحلتنا لا خير فيها ولا نفع يرجى منها، ومن ثم وجب أن ننفض اليدين منها ونعود إلى ما قبلها، أي عهد "السيد الرئيس القائد صدام حسين"؟!
كما يقال "تعرف بضدها الأشياء" و"تدرك النعمة من النظر في النقمة والعافية من النظر في البلاء"، ونحن الذين عشنا كابوس الحقبة الصدامية الطويلة لا يمكن أن نشعر بأي نوع من التعاطف أو الحنين إزاءها، بل نرى في التجربة الحالية بشائر تفاؤل وخير حقيقي، أقله هذا المناخ الجديد الذي يسمح بالتحدث عن حالات الفساد وكشفها علنا، وبالاختلاف في الرأي والتعبير عنه دون أن يؤدي ذلك بالمرء إلى السجن أو إلى حبل المشنقة!
الطيب عبد الزهرة- بغداد