يصعب القول إن القمة العالمية كانت حدثاً ناجحاً وواعداً، لأنها تقاس بالنتائج لا بمجرد حصول لقاءات بين القادة ومصافحات بين خصوم. لعلها أكدت بالأحرى أن العالم لا يزال في المنعطف الخطير يبحث عن بوصلة، فحتى القيادة المعقودة للولايات المتحدة بلا منازع، بدت هذه المرة مشوّشة ومعطوبة، من جهة لأن الحدث العراقي تحوّل مع الوقت نقطة ضعف في السياسة الأميركية في الداخل كما في الخارج، ومن جهة أخرى لأن تداعيات إعصار "كاترينا" هزّت صورة الدولة العظمى، التي بلغت بها العظمة حدّ التقصير الفادح في معاملة مواطنيها كما لو أنهم ينتمون إلى بلد آخر.
لم يكن الضيوف في أفضل حالاتهم، ولم يكن المضيف في حال أفضل، عشية القمة كانت المنظمة الدولية تتعرف إلى نتيجة التحقيق في إحدى أسوأ فضائحها، تلك التي حملت اسم "النفط من أجل الغذاء". وإذا كان التحقيق انتهى إلى تحديد المسؤوليات الجماعية عن الأخطاء، مع إشارات إلى أفراد متورطين وشركات ارتكبت مخالفات، فإن التحقيق الآخر، الأهم والأخطر، لم يحصل ولا يبدو أن أحداً سيطالب به.. إنه التحقيق في نظام العقوبات الذي طبق على العراق وخلّف الكثير من الضحايا خصوصاً من الأطفال، كما أحدث الكثير من العاهات في جسم المجتمع العراقي. فمن شأن الأمم المتحدة أن يحصل تقويم معمق في نظام العقوبات هذا، لأنها قد تدعى مجدداً إلى تطبيقه والتسبب بالآلام والكوارث نفسها.
عاشت الأسرة الدولية خلال الأعوام الخمسة الماضية مع "وثيقة" أقرها قادة العالم عام 2000، وتعهدوا فيها ما يمكن أن يدلّ إلى أنهم التزموا فعلاً "خريطة طريق" إلى سلام عالمي ما.
لماذا؟ لأن تلك الوثيقة تقدم لائحة طويلة من المفاهيم المبدئية، مثل: مكافحة الفقر والأمية والإيدز، ومعالجة الاحتباس الحراري، ودفع التنمية، والحفاظ على البيئة، فضلاً عن الحد من التسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل... وتضمنت الوثيقة آليات عملية لتطبيق الالتزامات، أهمها ذلك الرقم الذي أصبح شهيراً، إذ طُلب من الدول الأعضاء تخصيص 0.7 من دخلها للمساهمة في جهود التنمية خصوصاً في الدول الفقيرة. وطبعاً كان هناك وعد من الدول الأكثر غنىً بأن تجد حلولاً لمديونيات الدول الأكثر فقراً. كذلك، كانت هناك تعهدات بإنهاء النزاعات الإقليمية مع ما يعنيه ذلك من ضبط لأنشطة التسلح.
الأرجح أن هذه الوثيقة التي اعتبرت أعظم انطلاقة للأمم المتحدة في بداية القرن الجديد، غدت بعد نحو عام من ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2000 التي عصفت بالعالم، وقوّضت بالأخص انضباط الولايات المتحدة. فمنذ ذلك اليوم تلقت منظومة مفاهيم الأمم المتحدة للسلام ضربة قاصمة، ومع الحروب التي تبنتها واشنطن ارتسمت "مفاهيم جديدة" لا يبدو حتى الآن أنها تحظى بتوافق أو إجماع دوليين، ليس لأنها مفاهيم خاطئة، وإنما لأن العالم لم يعد يدرك ما هي الأهداف الحقيقية التي تحرك الولايات المتحدة.
هذه السنة كان يُفترض أن تشهد مراجعة أولى لما تحقق من التزامات عام 2000 بغية تصحيح المسار، وربما تسريعه، لكن أحوال العالم لم تبدُ مشجعة، بدليل أن القمة العالمية انتظرت حتى اللحظة الأخيرة لترى إلى أي حال آلت -أو بالأحرى تراجعت- تعهداتها. وعدا أن الأغراض السامية كمكافحة الفقر وغيرها، محكومة بأن تنتظر أكثر، فإن الشروط الأميركية أمعنت في تشويه التعهدات المجددة، إلى حد أن معظم المعنيين بما سمي "إصلاح" الأمم المتحدة يؤكد أن كل البنود معرقلة بسبب الخلاف على "تعريف الإرهاب"، وهو ما لن يحسم أبداً.
وانتهت القمة إلى ما اعتبرته "الممكن" في هذه المرحلة المرتبكة، إلا أنها، وظفت لهدفين لا علاقة لهما بالسلام أو بالإصلاح. فمن جهة كانت القمة مناسبة للترويج للحرب المقبلة التي تستهدف إيران بسبب الملف النووي، ومن جهة أخرى كانت فرصة لتلميع صورة إسرائيل بداعي أنها انسحبت من غزة، وبالتالي ربما يصبح الاعتماد عليها لاحقاً في ضرب المنشآت النووية العراقية.