يجمع معظم الخبراء على أن تحذيرات محافظ مصرف الإمارات المركزي بشأن انهيار محتمل في سوق العقارات بالدولة مطلع العام المقبل، تلفت النظر إلى قضايا جوهرية يجب ألا نغفل عنها. فهي، أي هذه التحذيرات، تستند إلى أبجديات قاعدة العرض والطلب، وهي الدرس الأول في علم الاقتصاد والتجارة، وهي القاعدة التي لا تخيب أبدا، خاصة في السوق العقاري، وإن تعطلت أو تبدلت آلياتها لظروف آنية قصيرة الأجل، فسرعان ما تعود وتتحكم في مستقبل هذا السوق. فإذا كان متوقعا في السوق العقاري أن يتحرّك العرض والطلب صعودا أو نزولا بمعدلات متساوية، فإن أسعار العقارات في هذه الحالة ستظل على حالها ولن تتغيّر، وإذا كان الطلب ينمو بمعدلات تزيد على معدلات نمو العرض، كما حدث خلال السنتين الماضيتين، فإن الأسعار سوف تتصاعد، أما إذا زاد العرض العقاري على الطلب العقاري، كما هو متوقع مطلع العام المقبل، وكما هو مشاهد بالعين المجردة حاليا، حيث تتأهب مئات البنايات الشاهقة للدخول إلى السوق خلال فترة زمنية وجيزة، فإن الانخفاض في أسعار العقارات يصبح أمرا حتميّا لا مناص منه. ويؤكد هذا الواقع أن القطاع العقاري قد ودّع بالفعل مرحلة مواكبة الطلب على المباني والوحدات العقارية ليدخل مرحلة جديدة لما يمكن أن يطلق عليه مرحلة "خلق الطلب" من الداخل والخارج، وهي مرحلة تحدّد درجة النجاح فيها مستقبل القطاع العقاري برمّته.
وفي ظلّ الارتفاعات التي تشهدها أسعار العقارات بالدولة، في إطار موجة عامة من التضخم تزيد على 5% وفقا لجميع التقديرات الرسمية وغير الرسمية، فإن المأمول أن تأخذ هذه المخاوف ما تستحق من اهتمام وتأمل، بحيث نحاول قراءة مستقبل الطلب العقاري. لمن نبني؟ فهذا السؤال التقليدي الذي يجب أن يسأله صاحب أي مشروع عقاري لنفسه قبل أن يبدأ في تصميمه وتنفيذه، تتوقف عليه جدوى المشروع من عدمها. وعلى هذا فإن توفير ردود إحصائية ونوعية شافية ومقنعة عن هذا التساؤل على مستوى الدولة تمثل العمود الفقري للقطاع العقاري، وهي ردود يجب أن تستند إليها جهات الترخيص العقاري في الدولة، في قراءتها لتطوّر هذا القطاع ومستقبله. إن القضية الجوهرية التي لا يختلف عليها اثنان هي أن الوحدات السكنية التي يتوقع أن يكتمل بناؤها خلال الفترة المقبلة تفوق حاجة السكان بمختلف شرائحهم وجنسياتهم، وهو أمر نتيجته الحتمية انخفاض كبير في الأسعار، ما لم تتخذ إجراءات ومعالجات سريعة، وما لم يتم إيجاد طلب إضافي، وخارجي بالطبع، بما يكفي لاستيعاب الزيادة الكبيرة في العرض. وإذا كان انخفاض تدريجي ومعتدل في أسعار العقارات أمرا مطلوبا ومفيدا لمصلحة الاقتصاد القومي، في المقام الأول، خلال المرحلة المقبلة، فإن هناك مخاوف ومؤشرات تؤكد أن هذا الانخفاض من الممكن أن يكون كبيرا ومفاجئا، بحيث يعرّض أحد أهم القطاعات الاقتصادية لخسائر مادية، تنعكس بدورها على قطاعات أخرى ذات صلة مثل المصارف وغيرها.