شهدت القمة العالمية لزعماء العالم في الأمم المتحدة، حالة تركيز جديدة- قديمة على محاربة ظاهرة الإرهاب. كان الأمين العام للمنظمة يأمل في توافق الإرادات بين المجموعات الدولية لإبرام اتفاقية دولية شاملة تعالج كافة جوانب الظاهرة، غير أن أمله لم يتحقق بسبب الخلاف الدائم بين مجموعة الدول العربية من ناحية، والولايات المتحدة من ناحية ثانية حول تعريف الإرهاب. إن مشكلة تعريف الإرهاب تمثل إحدى الإشكاليات الرئيسية في المحافل الدولية المختلفة المعنية بالتخلص من آثار العمليات التي تستهدف المدنيين وليس في القمة العالمية فحسب. ففي إطار الشراكة الأورومتوسطية بين دول شمال حوض البحر المتوسط الأوروبية وبين دول الجنوب ومعظمها من الدول العربية فيما عدا تركيا وإسرائيل أطلت دائماً مشكلة التعريف بين العرب والأوروبيين ومعهم إسرائيل. وجوهر المشكلة متعلق بتصميم المجموعة العربية الباسل رغم كل الضغوط، على وضع تعريف للإرهاب ينص صراحة على عدم إدراج المقاومة الوطنية للشعوب الخاضعة للاحتلال في إطار التعريف، هذا من ناحية، كما تصمم المجموعة العربية من ناحية أخرى على ضرورة أن ينص التعريف صراحة على إدانة أية عمليات تستهدف المدنيين من جانب دول الاحتلال. ومن المفهوم أن هذه البسالة العربية في رفض أي تعريف يدرج المقاومة في إطار الإرهاب وبالتالي يطبق عليها قواعد محاربة الإرهاب، هي بسالة ناتجة عن كون الوطن العربي المنطقة الوحيدة الباقية في العالم والتي تشهد حالات احتلال أجنبي في فلسطين والعراق. إن الدلالة السياسية لموقف المجموعة العربية سواء في القمة العالمية أو في المحافل الدولية الأخرى هي دلالة تستحق الاحتفاء والمساندة من جانب الكتاب والمثقفين العرب في خطابهم إلى الرأي العام. ولكي نتبين أهمية دلالة الموقف الموضوعي الباسل وآثاره السياسية والإعلامية البالغة، فإن نظرة على قرار مجلس الأمن الذي يحظر التحريض على الإرهاب في كل العالم، كفيلة بإبراز نتائج الموقف العربي الصامد.
ينص قرار مجلس الأمن رقم 1624 بعد إدانة جميع أعمال الإرهاب، على دعوة جميع الدول إلى أن تعتمد ما قد يكون لازماً ومناسباً ومتمشياً مع التزاماتها بموجب القانون الدولي مع التدابير التي تهدف إلى ما يلي:
"أ- أن تحظر بنص القانون التحريض على ارتكاب عمل أو أعمال إرهابية". ونلاحظ أن هذه الدعوة في صلب القرار تتماشى مع بند جاء في المقدمة يقول بالنص على لسان مجلس الأمن: "وإذ يدين أيضاً بأشد العبارات التحريض على الأعمال الإرهابية، وإذ يستنكر المحاولات الرامية إلى تبرير أو تمجيد واختلاق الأعذار للأعمال الإرهابية التي قد تحرض على ارتكاب مزيد من تلك الأعمال...".
إن الدعوة والمقدمة معاً كان يمكن لمن يشاء مثل إسرائيل مثلاً، تفسيرهما على نحو يدرج أعمال المقاومة المشروعة دولياً ضد الاحتلال، في نطاق الأعمال التي يحظر بنص القانون التحريض على ارتكابها أو تمجيدها أو اختلاق الأعذار والمبررات لها، لولا ذلك الموقف الموحد الذي اتخذته المجموعة العربية في مسألة تعريف الإرهاب والتصميم على التمييز بين الإرهاب والمقاومة. إن آثار الموقف تبدو واضحة، فليس من حق أي جهة دولية أو إقليمية أن تحاول حظر تمجيد أعمال المقاومة ضد الاحتلال، ولولا هذا الموقف العربي لوجدنا أن معظم الكتاب والمتحاورين العرب الذين يعالجون قضية مقاومة الاحتلال، خاضعون لحظر التعبير عن هذه المعالجات.
لقد عبر الزعماء العرب الذين حضروا القمة العالمية عن موقف مشرف وواضح المعالم في هذه المسألة، وهو ما يستحق التقدير العميق. ولعل التصريح الذي أدلى به وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط يلخص هذا الموقف العربي الموحد عندما قال: أعتقد أن الربط بين الإرهاب والمقاومة أو محاولة التفرقة بينهما هو بمثابة إهانة كبرى للحق المشروع لجميع الشعوب لنيل استقلالها، فلا توجد علاقة البتة بين الأمرين، فالإرهاب آفة تحرمها الشرائع، بينما مقاومة الاحتلال حق مشروع بنص القانون الدولي.
تحية وتقدير للموقف العربي الموحد.