"لن تستسلم إيران لأي ضغط أو تهديد"، هكذا صرح مرشد الثورة آية الله خامنئي.
يزداد المشهد النووي الإيراني تعقيداً ويكتسب المزيد من الأهمية لإيران ومنطقة الخليج والاستقرار العالمي، خاصة بعد تقديم دول الترويكا الأوروبية الثلاث بريطانيا فرنسا وألمانيا - وهي الدول التي تتفاوض مع إيران منذ عامين حول وقف تخصيب إيران اليورانيوم بمباركة ودعم الولايات المتحدة الأميركية- توصية بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن بحجة خرق طهران لاتفاقية الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل. ولكن دولاً بالتحديد مثل روسيا والصين والهند ترفض إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن تمهيداً لفرض عقوبات.
أين ستفضي هذه المواجهة المحتدمة؟ وما هي الأوراق التي يستقوي بها كل طرف، وخاصة أن إيران تنتهج منذ الشهرين الأخيرين سياسة حافة الهاوية؟ يتجه الغرب بقيادة واشنطن إلى سياسة التهديد التي يرفضها مرشد الثورة، فيما يؤكد الرئيس "المحافظ" محمود نجاد - الذي جعل بعد تسلمه الرئاسة في أغسطس الماضي جميع السلطات في يد "المحافظين"- أمام الأمم المتحدة على أن إيران عازمة على المضي قدماً في حق امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية. وذلك كله وسط عجز عربي وخليجي واضح في بلورة موقف يعبر عن القلق المشروع من سياسة حافة الهاوية التي تجري من حولنا.
ويصعد علي لاريجاني، المسؤول عن الملف النووي الإيراني والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بتهديد مزدوج: الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والتلويح بورقة النفط، بوضع قيود على الدول التي تعارضها في ملفها النووي، مما ينذر بأزمة طاقة، وربما إلحاق الضرر بالاقتصاديات الغربية، وانخفاض النمو الاقتصادي العالمي.
الملفات والأوراق التي تستقوي بها إيران وتسعى لتجيرها لمصلحتها مستفيدة من التعثر الأميركي في العراق والتباين في المواقف الأميركية الأوروبية، وصعوبة العمل العسكري إلى الالتفاف الشعبي- القومي الإيراني المؤيد وبفخر واعتزاز لامتلاك قدرات نووية، إلى الصمت العربي المطبق والعجز عن بلورة موقف عربي استراتيجي تجاه إيران، كل ذلك مجتمعاً يحفز إيران على انتهاج سياسة تتحدى سياسة الوضع القائم في سعيها لاكتساب الاحترام والتقدير والهيمنة الإقليمية، التي لطالما حُرمت منها منذ قيام الثورة قبل أكثر من ربع قرن.
أميركا -وحلفاؤها والترويكا الأوروبية- مصممة على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، معتمدة على أوراق الضغط والوعيد، وقد يمتد الأمر، حسب "المحافظين الجدد" إلى إسقاط نظام الملالي. كما تستخدم واشنطن الكثير من "العصي" والتهديد مع إيران والقليل من "الجزر" أو الحوافز. مثل عدم الاعتداء على المنشآت النووية الإيرانية، وعدم التدخل في شؤون إيران الداخلية. وهو ما تعهدت الولايات المتحدة به لكوريا الشمالية قبل يومين مقابل تخليها طوعا عن برنامجها النووي.
الملفات والأوراق التي تملكها إيران عديدة ومتشعبة، وخاصة في العراق إلى درجة أن أحد المرشحين السابقين للرئاسة الأميركية اعترف بأن إيران تفوز في العراق على أميركا، إضافة إلى تلويحها بورقة النفط والتجارة مع الغرب وتعاملها بشفافية وانفتاح مع وكالة الطاقة الذرية، والتعويل على مواقف الدول الرافضة للهيمنة الأميركية. كما تعتقد إيران والكثير من المحللين أن من الصعب تعرضها لعمل عسكري في ظل استمرار تردي الأوضاع في العراق واهتمام الناخب الأميركي بالشأن الداخلي، وخاصة بعد إعصار "كاترينا".
كل ذلك يجري فيما نحن، عرباً وخاصة خليجيين منشغلون صامتون متفرجون. حتى اليوم لم يرق الموقف الخليجي وحتى الموقف العربي إلى مستوى وخطورة الحدث، وكأن ما يجري من حولنا لا يعنينا، مع أننا نحن في الخليج أكثر المعنيين من عودة التوتر للمنطقة. وأضعف الإيمان تسرب إشعاعي من المفاعلات النووية الروسية الصنع. فإلى متى يبقى الصمت المطبق الخليجي والعربي؟ ومتى سنبدأ نسمع مطالب خليجية وعربية بالحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية أيضا؟ وهل ستدشن تلك المطالبات، متى ظهرت، حقبة جديدة من سباق تسلح في منطقتنا؟! أم علينا أن ننتظر حتى نستقوي بأوراق استراتيجية ضاغطة أولاً والتي لا نملك منها الكثير، وحتى إذا امتلكنا بعضها فهل هناك قرار سياسي وتنسيق جماعي لتوازن القوى والذي بقي السبب الأساسي المعاناة منطقة الخليج العربي من عدم استقرار طوال العقود الماضية. وهذا الوضع مرشح للاستمرار في المستقبل أيضا. مما يبقينا جميعا في ضفتي الخليج في وضع دائم الاحتقان ومرشح للتدخلات الخارجية والحرب وسباق التسلح والانفجار.