الحديث عن موضوع الإصلاح والتغيير في التعليم حديث في غاية الأهمية، خاصة عند من يعرف ويدرك معنى الإصلاح في التعليم وأهميته، حيث إن المسألة ليست كما يظن البعض مجرد مجموعة أفكار وقرارات ومشاريع وبرامج مرتجلة، أو أحاديث صحفية تحمل في داخلها صورة نظرية حالمة. إصلاح التعليم في حقيقته هو جوهر عملية التغيير في المجتمع، وهو مدخل رئيسي لكل الإصلاحات والخطط والبرامج التنموية التي يمكن أن تحدث في الدولة. والبداية الصحيحة هي أن نتعلم كيف نستفيد من إخفاقات الإصلاح السابقة التي على أهميتها الورقية وأبعادها الاستراتيجية إلا أنها لم تصل بنا إلى تحقيق الأهداف التي كنا نسعى إليها.
المطلوب الآن هو أن ندرك جيداً تلك الأخطاء ونعالج إشكالياتها جذرياً، وبالأخص ما يتكرر منها في مسلسل الإصلاح وفق رؤية واضحة وإرادة قوية، خاصة بعد أن اعترف غالبية المختصين بأن الوضع القائم في التعليم لا يسر وأن هناك إشكاليات عديدة أهمها أن مناهجنا الدراسية لا زالت تعتمد على موضوع الحفظ والتلقين وأنها تطمس حالة الإبداع والابتكار وحب المطالعة عند الطالب الإماراتي، وأن هناك كماً كبيراً من الخريجين ليست لديهم مهارات الابتكار والإبداع والنقد والقدرة على البحث العلمي والتحليل، ولا يستطيعون تلبية معايير وشروط سوق العمل، وأننا نصرف كماً كبيراً من الشهادات دون مضمون وننفق مليارات الدراهم على التعليم دون أن نصل إلى النتيجة المطلوبة. وأنا هنا لا حاجة لي أن أشخص الكثير من السلبيات والأمراض والعلل التي أظهرتها الدراسات والتقارير، بل إن الأهم في نظري في المرحلة الجديدة من عمر التعليم أن تتوجه استراتيجية التعليم إلى حل كل هذه الإشكاليات، والأهم أن تتحول استراتيجية الإصلاح الجديدة من الورق إلى حقائق تمارس فعلياً على أرض الواقع في حدود الإمكانيات بحيث يشعر بها المجتمع، وأن يصبح جوهر هذه العملية هو الإنتاج وتحسين جودة العمل والأداء في جميع مجالات التربية. وحتى تنجح هذه الاستراتيجية فإن المهم هو:
أولاً: أن يحدث تغيير جوهري في منظومة الجهاز الإداري الذي سوف يقود عملية التعليم في المرحلة القادمة، وبالأخص القيادات التي أشارت إليها الصحافة والتقارير أنها من أهم أسباب الإخفاق الذي حدث في موضوع الإصلاح السابق.
ثانياً: أن تعتمد خطة الإصلاح على الكفاءات الموجودة في داخل المؤسسة التعليمية، حيث إن من أهم الأخطاء التي وقعت فيها الإصلاحات السابقة أنها استعانت بأشخاص من خارج المؤسسة وأشخاص غير مختصين ليس لديهم دراية بموضوع التربية والتعليم.
ثالثاً: أن تكون الأولوية في مسألة الاستعانة بالخبراء، للخبراء المواطنين وليس الأجانب، لأن التجارب الطويلة في مسلسل الإصلاح أكدت فشل الخبرات الأجنبية ونجاح الخبرات المواطنة في الكثير من المجالات ومواقع العمل. وكما يقول المثل "أهل مكة أدرى بشعابها".
رابعاً: أن نعيد للمعلم دوره الحقيقي في منظومة التعليم وأن نعيد له هيبته التي فقدها في مسلسل الأخطاء السابقة، وذلك لأهمية دوره في نجاح مسيرة التعليم القادمة.
خامساً: أن تتميز مناهجنا الدراسية بمستوى عالٍ من القدرة على توصيل رسالة الإبداع والابتكار والتحليل العلمي والنقد، إلى عقل الطالب الإماراتي، وأن تصبح أكثر مرونة وأكثر قدرة على استيعاب المتغيرات التي تحدث في العالم من حولنا في إطار الفهم المتكامل الذي تتميز به ثقافتنا العربية والإسلامية.
سادساً: أن نجعل المدرسة بكل مكوناتها قادرة على صناعة طالب المستقبل، قادرة على اكتشاف المواهب وتنمية الشخصية الابتكارية والطالب المخترع، وألا ينحصر دورها فقط في تلقي العلم، بل لابد من إعادة الدور الثقافي والاجتماعي والرياضي والسياسي الذي كانت تتميز به مدارسنا منذ 30 سنة، لابد من إقامة مواسم ثقافية ورياضية واجتماعية تنمي ثقافة الطالب وتجعله قادراً على المشاركة الفعلية في ثقافة المجتمع ويدرك أهمية الثقافة الجادة.
سابعاً: هناك كفاءات عديدة أعطت عمرها للتعليم، تفانت في العمل والأداء وسهرت الليالي، تحملت التعذيب والتهميش والإبعاد والظلم، انتظرت كثيراً، وهي تأمل الآن في المرحلة الجديدة أن يكون لها دور وأن تحصل على حقها.
وأخيراً علينا أن نقنع المجتمع أن هناك خطوات فعلية سليمة تتحرك في داخل مؤسسة التعليم وأن هذه الخطوات تحتاج إلى دعم المجتمع، وبالأخص رجال الأعمال الذين لن يترددوا في دعم التعليم إذا اقتنعوا أن استراتيجية التعليم تتحرك نحو الهدف المطلوب.