لابد من إعادة النظر في السياسة السكانية للدولة بما يتناسب مع حاجة الوطن إلى تعمير العنصر المواطن وبقائه رمزا له وامتدادا لحياته، فالمواطنون بالدولة مقارنة بالوافدين أقلية وهذه المشكلة معروفة الأسباب ومن أهمها تكاثر العمالة الوافدة بصورة متوالية الأعداد، إلا أن المشكلة التي قد تكون أكبر منها وهي ما يستدعي منا إعادة قراءة تقرير تنمية الموارد البشرية الذي تم تدشينه مؤخرا من قبل وزارة الاقتصاد والتخطيط، بالذات في الجانب الخاص بالمؤشر الديمغرافي المتعلق بمعدلات الخصوبة المتدنية للسكان المواطنين وإن كانت تتماشى مع المعدلات العالمية، إلا أننا محليا يجب أن تكون لنا وقفات لأنها تمس مصير السكان المواطنين خلال العقود المقبلة.
إن مجتمع الإمارات لا يعاني من مشكلة انفجار سكاني كالهند والصين ومصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا وغيرها ممن اتخذت إجراءات قانونية في السياق الاجتماعي من أجل تخفيض معدل المواليد عن طريق تحديد وتخطيط النسل بما يتوافق مع متغيرات وسياسة كل مجتمع.
وفق تقرير التنمية البشرية لعام 2005، فإن معدل الخصوبة بلغ 2,5 بعد أن كان 6,4 في عام 1970، ويؤكد هذه الحقيقة تقرير الموارد البشرية لعام 2005 الصادر حديثا عن هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية وقد دل على أن التطور الأكثر وضوحا الذي طرأ على الخصائص الديمغرافية للسكان في دولة الإمارات هو الانخفاض الحاد والمستمر في معدل الخصوبة الكلي، فخلال الفترة 1985-2004 انخفض معدل الخصوبة الكلي لإجمالي السكان إلى النصف، وللسكان المواطنين بحوالي 57%، وبينما كان متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة الإماراتية عام 1985 هو 7.2 طفل، فإنه انخفض إلى 4,6 طفل عام 2004 ومهما كانت الأسباب فإن ما يحدث ينم عن وجود خلل في هيكل التركيب السكاني، خاصة في ظل عدم وجود سياسات مكملة لإصلاح هذا الخلل, وهو ما يدعو الحكومة لوضع سياسات من شأنها معالجة الأسباب التي أدت وتؤدي إلى الانخفاض المستمر في معدلات الخصوبة وأخطر ما في هذا الأمر هو الوصول إلى مرحلة انقراض المواطنين.
إن الدول المتقدمة التي شعرت بهذا الخطر الداهم الذي يلاحق سكانها الأصليين بدأت باتباع سياسة تشجيع الإنجاب ولو كلفت ميزانياتها ملايين الدولارات الإضافية، ففي أستراليا على سبيل المثال ، أشارت الإحصاءات إلى ارتفاع معدلات المواليد هناك منذ أن أعلنت الحكومة عن تقديم مكافأة تبلغ ثلاثة آلاف دولار أسترالي عن كل طفل جديد يولد، وأشار الخبير الديمغرافي بالجامعة الوطنية في أستراليا بأن عدد المواليد بالنسبة لعدد السيدات ارتفع من 1,73 إلى 1,77 طفل لكل سيدة.
وأعلنت مكافأة الإنجاب عام 2004 لمواجهة انخفاض معدلات الخصوبة بين الأستراليين، وتنبأ الخبير بأن ترتفع معدلات الخصوبة إلى 1,8 طفل لكل سيدة أو أكثر، هذا وقد تمت زيادة قيمة مكافأة الإنجاب إلى أربعة آلاف دولار أسترالي منذ يوليو الماضي.
إن الإمارات بحاجة ماسة إلى هذا الإجراء من خلال زيادة علاوة الأبناء التي لم يطلها التغيير منذ عقود، وبضخ جزء يسير من زيادات أسعار النفط الحالية بالأسواق العالمية التي سترفع من إجمالي الإنتاج المحلي لدول الخليج بنسبة 16% تقريبا ليتجاوز 500 مليار دولار للمرة الأولى، وللإمارات نصيب موفور من هذه الزيادة في هذا البند الذي يمكن أن يساهم في إنقاذ شعب الإمارات من الانقراض ولأجيال متعاقبة من عمر التاريخ الممتد في عمق الإنسان الذي يساهم في إطالة أعمار الوطن إلى أقصى مدى، وهذا هو الدور الحقيقي الذي يمكن للمال أن يلعبه في بناء المستقبل.