صحيفة جديدة تعني رئة مجتمعية جديدة للتعبير عن الآراء ووجهات النظر وتسليط الضوء على السلبيات، فالصحافة بالنهاية هي خير تعبير عن أوضاع المجتمعات ومستوى تطوّرها، وهي "ترمومتر" سقف الحرّيات الذي يتمتّع به مجتمع ما. ومؤخرا انضمت إلى الصحف الصادرة في دولة الإمارات صحيفتان يوميتان، إحداهما تصدر بالعربية والأخرى بالإنجليزية، وهما "الإمارات اليوم" و Emirates Today وهما بحق إضافة نوعية جديدة من شأنها تعزيز التنافس بين الصحف المحلية بما يصبّ بالنهاية في سلّة تطوير الأداء المهني تقنيا وتحريريا لتقديم خدمة صحفية تليق وتنسجم مع ما تشهده الدولة من تطوّر وازدهار في المجالات كافة.
البعض ينظر إلى هذه الإصدارات الجديدة من زاوية "التمويل" بمعنى مدى قدرتها على الاكتفاء المادي ذاتيا على المدى البعيد عبر التوزيع والإعلانات، ويرى هؤلاء أن المستقبل واعد اقتصاديا في ضوء الطفرة الإعلانية التي تشهدها السوق في الوقت الراهن تلبية لطفرة اقتصادية موازية يتركز معظمها في قطاع العقارات، حيث يلعب فيها الإعلان بمختلف قنواته وأدواته دورا بارزا. فيما ينظر آخرون إلى هذه الإصدارات من زاوية اقتحام الصحف المحلية الصادرة بالعربية لسوق صحافة "التابلويد" حيث يعتقد البعض أنه سلاح المفاجأة والتطوير النوعي الذي يراهن عليه القادمون الجدد إلى ساحة الصحافة المحلية. وأياً كانت دوافع التجربة الجديدة فهي بحق إضافة مهنية ثرية وتجربة تلقي بحجر مؤثر في نهر الصحافة الإماراتية الذي شهد خلال الآونة الأخيرة تيارات مد متجدّدة من التطوير الإخراجي والتحريري في صحف مثل "الاتحاد" و"البيان".
الرابح الوحيد من هذا الحراك هو حقل الإعلام المحلي، وأيضا القرّاء الذين هم بالنهاية هدف نهائي بل هم "الحكم" على هذه الجهود، فمن دون أداء مهني راقٍ يحقق ويضمن أرقام توزيع جيدة يصعب الحديث عن الاستمرار في هذا السباق المهني الشريف والشرس في آن واحد، فأرقام الإعلان التي هي عصب التمويل لا تنفك عن أرقام التوزيع التي ينبغي أن تضمن للمعلنين بالنهاية مردودا ماليا ودعائيا من وراء نشر إعلاناتهم في هذه الصحيفة أو تلك.
المأمول حقيقة أن تفتح الإصدارات الصحفية الجديدة نوافذ جديدة للكوادر والكفاءات الإعلامية المواطنة وأن تسهم بفاعلية في "تفريخ" جيل جديد من الإعلاميين المواطنين القادرين على ملامسة هموم مواطنيهم والتعامل معها بحرفية قادرة على خوض غمار المنافسة في سوق مفتوحة للإعلاميين العرب من المحيط إلى الخليج. وإذا كان البعض يرى أن الإصدارات الصحفية الجديدة تشكّل تحدّيا وجوديا للصحف الموجودة سواء من حيث الحجم (التابلويد) أو الشكل الإخراجي واستخدام الألوان بكثافة بصورة تقترب بقالب الصحيفة من الشكل الفني للمجلة، ناهيك عن اختلاف المعالجات التحريرية، وإذا كان التحدي ليس سوى محفّز للتطوير، فإننا نرى أن التحدّي الأهم موجّه إلى مسؤولينا الذين يتحتّم عليهم التعاطي في دوائرهم ووزارتهم من الآن فصاعدا مع نوافذ إعلامية متزايدة تبحث عن التفرّد والسبق وتحقيق الذات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية