قرار الدكتور علي عبدالله الكعبي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية، بشأن السماح للخبراء وأصحاب المؤهلات العليا والاختصاصات النادرة الموجودين في الدولة والذين تتراوح أعمارهم بين 65 و70 عاما بالاستمرار في أعمالهم، هو خطوة "تصحيحية" لقرار سبق صدوره وقوبل بانتقادات واعتراضات من الشركات والمتخصصين بسبب عدم واقعيته مع متطلبات العمل في كثير من القطاعات التي خصّها القرار الأخير بالذكر.
البعض يرى أن "التصحيح" اتجاه إيجابي بحدّ ذاته وأنه ليس عيبا التراجع عن سياسة ثبت خطؤها، فيما يرى آخرون جانبا مغايرا من الصورة ويركزون على أن "التصحيح" يعني أن القرار الأول انطوى على أخطاء ولم يأخذ ما يستحق من الدراسة والاهتمام والمناقشة مع المعنيين قبل صدوره، وبين هذا وذاك يرى فريق ثالث أن القرار الأخير يبدو "تنظيميا" في ظاهره، حيث حدد 11 مهنة فقط يسمح لها بتمديد سنّ العمل ونقل الكفالة، في حين أن النصّ فتح الباب أمام الاستثناءات مع إمكانية التخلّي كليا عن هذا التحديد الدقيق للفئات المسموح لها إذ منح القرار مسؤولي الوزارة سلطة الموافقة على التمديد لأي فئات أخرى، وهذا يعني ببساطة العودة إلى ما كان مطبّقا قبل منع التمديد للجميع.
هذه النقاشات تسلّط الضوء على إحدى العقبات والإشكاليات التي يتحدث عنها الكثيرون ضمن رؤيتهم لواقع سوق العمل في الآونة الأخيرة ألا وهي كثرة القرارات التنظيمية التي تصدر في أوقات زمنية متقاربة لدرجة يبدو أنها لا تراعي مقدرة الموظفين التنفيذيين وكذلك مندوبي الشركات على هضمها واستيعابها وتنفيذها بدقة. واللافت أن بعض التقارير الصحفية تنسب إلى موظفين داخل الوزارة شكواهم من عدم الإلمام التام بالتعديلات المتعاقبة على القوانين والقواعد التي يفترض أنهم يطبقونها يوميا على جمهور المتعاملين!
وما ينبغي تأكيده أنه من غير المنطقي أن نطالب الوزارة أو ننتظر منها قرارات وسياسات تلقى ترحيب الجميع على أساس أن بلوغ هذه المرحلة يبدو من أصعب الأمور إن لم يكن مستحيلا في ضوء اختلاف المصالح وتضاربها ليس فقط بين الوزارة وجمهورها ولكن أيضا بين قطاعات هذا الجمهور ذاته. وإذا كنا لا نعني بذلك أن قرارات الوزارة صائبة على طول الخط، فإننا لا نعني بالمقابل أن اعتراضات الجمهور خاطئة على الدوام، بل يمكن العثور على مساحة وسطية من المنطقية والوجاهة تغلّف كثيرا من هذه الاعتراضات سواء فيما يتعلق بمضمون القرارات الأخيرة أو توقيت صدورها أو غموض المحتوى وصعوبة الفهم والتطبيق. وفي جميع الأحوال ربما يبدو ضروريا أن تدرس وزارة العمل إمكانية الحدّ وقتيا من سياسة "الخطوة خطوة" المتّبعة في معالجة الثغرات القائمة، واستبدال دراسة شاملة ووافية لقانون العمل الحالي بها، بحيث يتم تعديله كليا بما يتماشى مع إيقاع السوق وتطوراته في الوقت الراهن للتخلّص من حالة الإرباك والبلبلة السائدة سواء بين الموظفين المعنيين داخل الوزارة أو بين شركات القطاع الخاص وجمهور المتعاملين.