يقود السودان الآن تحالف ائتلاف سياسي بين تنظيمين سياسيين هما الحركة الشعبية لتحرير السودان (الجنوب) وحزب المؤتمر الوطني (الجبهة الإسلامية) وسيظل هذا التحالف هو المسيطر على أمور السودان لست سنوات كاملة هي الفترة الانتقالية. ومهما كان الجدل حول التقارب أو التباعد بين هذين التنظيمين فإن الحقيقة هي أن لكل منهما أيديولوجيته وخطه السياسي الذي يختلف عن الآخر. فحركة التحرير حزب علماني حتى النخاع في حين أن المؤتمر الوطني يتبنى شعار ما يسمى بـ(حكم الشرع الإسلامي) وفق رؤى قادة هذا الحزب، ولهذا فقد أشفق كثيرون وما زالوا يتخوفون من ألا يستطيع هذا الحلف أن يقود السودان بسلاسة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه.
إن هذا التحالف أمر فرضه الواقع إثر التدخل الدولي في الأزمة السودانية الذي وجد واقعاً لا فرار منه، وهو أن المؤتمر الوطني هو القوى الحاكمة في السودان وأن الحركة الجنوبية هي التي تقود حملة السلاح في الجنوب.
ومن يتابع التجربة يجد أن الحليفين المتباينين بدآ مرحلة حكمهما في توافق لا بأس به فكان الاتفاق على دستور مؤقت، وكان تكوين المجلسين التشريعين بالتعيين وكذلك كان الاتفاق المبدئي على تقسيم المناصب العليا (الوزارات) بين الطرفين من حيث المبدأ وهو تجزئة الحقائب الوزارية إلى ثلاثة أقسام (وزارات سيادية ووزارات اقتصادية ووزارات خدمية)، وتواصل الاتفاق سلساً إلى أن ارتطم وتعثر في حقيبة واحدة هي حقيبة وزارة (النفط والتعدين) وهو اختلاف أدى إلى تعطيل تكوين مجلس الوزراء حتى يومنا هذا رغم انقضاء أكثر من شهرين وبعض الشهر على بداية التنفيذ.
لقد وصل الجدل والنزاع حول أحقية هذا الطرف أو ذاك بأن تكون له حقيبة النفط والتعدين حداً خرج فيه الأمر من داخل الحجرات المغلقة إلى صفحات الصحف وتصريحات المسؤولين كل يحاول الدفاع عن وجهة نظره.
ومما يعكس تفاقم الأزمة أن مسؤولاً قيادياً في الحركة الشعبية أعلن قبل يومين أنهم سيرفعون الأمر إلى مجموعة دول (الإيغاد) التي كانت الراعية لاتفاقية (نيفاشا) للتحكيم بين طرفي الحكم، وهو تلويح وتلميح يعني إدخال مجموعة أصدقاء (الإيغاد) وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية في هذا النزاع، وذاك أمر لو حدث سيعني بداية الفشل في استمرار التحالف الثنائي ويشكك في قدراته على تنفيذ اتفاقية (نيفاشا) التي تمت بإشراف وضمان مباشر من مجموعة (الأصدقاء) بل ومنظمة الأمم المتحدة. إن الحجة الأولى للحركة الشعبية في أحقيتها في وزارة النفط هي أن الجزء الأكبر من إنتاج النفط يتم في أرض الجنوب، وأنهم هم الشريك الأكبر في قسمته (51% لهم و49% للشريك الآخر في الحكم)، أما حزب المؤتمر الوطني فيدفع بأنها وزارة تحتاج للخبرة الدقيقة وأن الممسك بها منذ نشأتها في عهد (الإنقاذ) واحد من قادتهم والمصلحة أن يظل ممسكاً بها، وأصر وتمسك كل طرف بحجته لا يريد تنازلاً عنها.
وكان طبيعياً أن يثير هذا الإصرار لا سيما من جانب حزب المؤتمر الوطني كثيراً من الاستنتاجات والتكهنات التي تقول إنه لابد من أن هذا الحزب الذي ظل يحكم السودان منفرداً منذ منتصف 1989، يخفي أسراراً داخل هذه الوزارة وتستراً على بعض ما تدر من ريع بالعملات الأجنبية لا يراد الكشف عنه لآخرين، وهي شكوك ترددت حتى قبل بداية هذه الأزمة.
وتظل أزمة هذا الخلاف مستمرة حتى كتابة هذه السطور وترك للسلطة العليا المكونة من رئيس الجمهورية ونائبه الأول (جنوبي) ونائبه الآخر أن يحسموا الأمر حتى لا تتفجر الخلافات أكثر من ذلك.