لقد خرجت إيران من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة, المنعقد خلال الشهر الجاري, وهي أكثر قوة للسعي إلى تحقيق طموحاتها النووية. حدث هذا على التعاون غير المسبوق, بين كل من إدارة بوش والدول الأوروبية الثلاث الممثلة للاتحاد الأوروبي, بريطانيا, فرنسا وألمانيا, في التفاوض مع إيران. وفي الوقت ذاته, يكافح دبلوماسيو طهران, في اتجاه إقناع بعض الدول المؤثرة بالوقوف ضد أي مسعى لإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. والمثير للاهتمام أن الهند, وبكل ما بذلته مؤخراً من جهود غير مسبوقة في تطوير علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تواجه عنتاً كبيراً في تأييد الموقف الأميركي- الأوروبي من الأنشطة النووية الإيرانية. يذكر أن هذه الجهود قد أثمرت عن حصول طهران لأول مرة, على التكنولوجيا النووية الأميركية. إلى ذلك أبدت دول أخرى, من بينها الصين وروسيا, تحفظات مماثلة, مع العلم أن هاتين الدولتين تتمتعان بحق النقض "الفيتو" بمجلس الأمن الدولي. وإلى قائمة هذه الدول, تنضم دول أخرى ذات وزن وتأثير بين دول العالم الثالث, منها البرازيل, وماليزيا وجنوب أفريقيا.
هذا وقد أثار تعنت الهند المشار إليه, غضب بعض أعضاء الكونجرس الأميركي, على خلفية قناعتهم بأنه يفترض من الهند أن تكون دولة أكثر قرباً في موقفها من هذه القضية, من الولايات المتحدة, لاسيما بعد حصول الهند على فرصة غير مسبوقة لنقل التكنولوجيا النووية الأميركية إليها. يذكر أن للهند مصالحها الاستراتيجية الخاصة بها في منطقة جنوب غربي آسيا، أما فيما يتصل بنظرتها إلى إيران, فإنها لا ترى أن طهران محقة في تطلعاتها النووية السلمية المعلنة فحسب, إنما تسعى إلى تطوير علاقات تعاون مع إيران في مجال الطاقة, بحيث يؤدي هذا التعاون إلى مساعدة الهند على سد احتياجاتها الضخمة من الطاقة الحفرية, لا سيما الغاز الطبيعي.
وعلى الصعيد الأميركي, فإن هناك جملة من الاعتبارات, كبحت الجمعية العامة للأمم المتحدة, المنعقدة بنيويورك مؤخراً عن تشديد المواجهة مع إيران. من بين هذه الاعتبارات, تمتع الحكومة الإيرانية بدعم شعبي واسع النطاق, في تمسكها بحقها في تطوير التكنولوجيا النووية– بما في ذلك حقها الكامل في تدوير الوقود النووي. وقد برعت إيران أيما براعة في الدفاع عن حقها في تطوير التكنولوجيا النووية السلمية, بقدر براعتها في إنكار أي نوايا لها لتطوير الأسلحة النووية. وقد حظي هذا الموقف بتأييد واسع خارج إيران, لا سيما من قبل الدول غير الغربية, التي باتت تعتقد أن هناك ثمة سياسة تمييز, يمارسها الغرب ضد الدول الأخرى غير الغربية, فيما يتصل بحق استخدام التكنولوجيا النووية. ليس أدل على ذلك من تأييد واشنطن الضمني, لعدد من البرامج والأنشطة النووية, بما فيها برامج الأسلحة النووية الإسرائيلية والهندية والباكستانية.
ولا شك أن مثل هذا التأييد, يعزز الاعتقاد بوجود ازدواجية في المعايير والسياسات الأميركية, الخاصة بحظر نشر الأسلحة النووية. ومن بين الاعتبارات التي عززت الموقف التفاوضي لإيران, عدم استقرار الوضع الأمني في العراق, مقترناً بارتفاع أسعار النفط العالمية. وكما لاحظ أحد الخبراء, فإن إيران تحقق فائدة كبيرة من الارتفاع الحالي في أسعار النفط, بما يمكنها من مواجهة أي ضغوط اقتصادية من قبل الولايات المتحدة أو أوروبا, أو حتى الأمم المتحدة نفسها, تحت أسوأ الفروض. ثم علينا ألا ننسى أن في مقدور إيران نفسها إعاقة تدفق النفط من منطقة الخليج, في حال حدوث أزمة خطيرة, جراء المواجهة بين الغرب وطهران. وبسبب الثقل والتأثير السياسي اللذين تحظى بهما طهران في العراق, نتيجة الولاء الشيعي الذي يدين به الكثير من المسؤولين في الحكومة العراقية الحالية, فقد تطورت علاقات التعاون الاستراتيجي بين بغداد وطهران إلى علاقات التعاون الأمني وفي مجالي السياحة والطاقة. وعليه فإن طهران لا تأبه كثيراً بالتهديد الأميركي- الأوروبي.