ازدادت كثافة المؤتمرات والندوات والاجتماعات الخاصة بالإصلاح السياسي في الوطن العربي، منذ أن بدأت الضغوطات الداخلية والخارجية على دول المنطقة لإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية وغيرها المطلوبة. في هذا السياق عُقدت ندوة عربية متخصصة عن دور البرلمانات العربية في الإصلاح السياسي، وتم التركيز على تجربة الأردن والكويت تحديداً. وقام بتنظيم الندوة كل من الجمعية العربية للعلوم السياسية فرع الأردن، وأحد المركز البحثية بدولة الكويت. الهدف من الندوة هو محاولة إبراز دور البرلمان في قضايا الإصلاح في الوطن العربي، وهل هذه البرلمانات قادرة على قيادة عملية الإصلاح؟ وهل لديها الصلاحيات والإمكانيات لفرض التغييرات الديمقراطية المطلوبة؟ وهل الإصلاحات إن وجدت من اختصاص السلطة التشريعية أم التنفيذية؟
ألقيت في الندوة أكثر من 20 ورقة بحثية كلها تحاول الإجابة على تساؤلات حول دور البرلمان في الإصلاح، وما أعطى الندوة أهمية هو مشاركة نواب أردنيين وكويتيين وكذلك وزراء سابقين في الندوة.
في البداية دار جدل مطول حول مدى فعالية البرلمانات العربية في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية، ويرى البعض أن الإصلاح من قبل البرلمان صعب في الوطن العربي، لأن هذه البرلمانات وُلدت ضعيفة وغير قادرة على النهوض بسبب سيطرة الحكومات على البرلمان ورفضها للتغيير والإصلاح، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال دراسة الدساتير العربية، حيث لا تعطي هذه الدساتير أي دور للبرلمان في تقرير السياسات الحكومية. دور البرلمانات العربية في التأثير على الحكومات محدود جداً وشكلي، لذلك أصبح دور البرلمانات حتى في التشريع محدود، النظم واللوائح البرلمانية العربية تعطي الحكومات صلاحيات أكثر من البرلمان. حتى في حالة حصول البرلمان على الأغلبية في تمرير أي قانون، فإنه لا يستطيع تغيير القوانين إلا بموافقة رئيس الدولة، وهذا الإجراء يمر بعدة خطوات مطولة.
بعدها دار حوار مطول حول دور الأحزاب والحركات السياسية في البرلمانات العربية، خصوصاً في تجربتي الأردن والكويت. بعض الأكاديميين انتقدوا الأحزاب والحركات السياسية ذات التوجه الأيديولوجي، مثل "القوميين" و"اليساريين" و"الإسلامويين" تجاه الإصلاح، فهذه الأحزاب والحركات تركز على القضايا السياسية وتهمل وتتجاهل الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، والسبب في ذلك يعود لمعرفة هذه التيارات والأحزاب بأن الإصلاحات الاقتصادية قضايا غير شعبية، ففي الكويت مثلاً يرفض النواب أي زيادة على الرسوم أو فرض الضرائب على المواطنين، كما يرفضون أي مطالب حكومية تدعو إلى رفع تكلفة الخدمات، كذلك يرفضون أي محاولة حكومية لوقف الهدر في المياه والكهرباء، كان آخرها إصرار نواب مجلس الأمة الكويتي على إلغاء مبلغ 2000 دينار من فواتير الكهرباء والماء على المواطنين الذين لم يدفعوا الفواتير المطلوبة منهم.
نواب الأردن الذين حضروا الندوة، ومنهم النائب زهير أبو الراغب رئيس الجبهة الإسلامية في البرلمان الأردني"الأخوان المسلمين" دافع عن أداء النواب في الأردن ووضع اللوم على الحكومة في أي تقصير، وأكد كيف يمكن للبرلمان الأردني أن يصلح البلد إذا كانت مدته القانونية فقط أربعة أشهر؛ ففي كل البرلمانات في العالم تعمل البرلمانات فيها لمدة 8 أشهر. وأكد بأن الأجهزة الأمنية تتدخل في عمل النواب وتعرقل عملهم، كما أن الحكومة الأردنية تتعمد بأن تجعل الجلسات سرية بدلاً من العلنية لأنها لا تريد للرأي العام الأردني أن يعرف ما يدور من نقاش. بعض مؤيدي الحكومة في البرلمان الأردني يرون أن بعض البرلمانيين كل همهم إثارة الغوغاء في الشارع ضد الحكومة لتحقيق مصالح حزبية ضيقة على حساب المصالح الوطنية.
من المفارقات العجيبة في الندوة أن معظم الحضور من البرلمايين والأكاديميين الأردنيين كانت مواقفهم معادية للولايات المتحدة وسياستها في الشرق الأوسط، بينما حكومتهم تتخذ مواقف مع الولايات المتحدة في المنطة. النواب والأكاديميون الكويتيون اتخذوا موقفاً مخالفاً لزملائهم في الأردن، لأنهم دافعوا بقوة عن السياسة الأميركية في المنطقة وأكدوا أنه لولا التدخل الأميركي في المنطقة لما جرت الانتخابات في معظم دول الخليج ولما نالت المرأة حقوقها في هذه الدول ولما جرت الانتخابات في أكبر دولة عربية على أسس جديدة. وأخيراً نرى أن العرب لا يزالون مختلفين حول الإصلاح: هل سيأتي من الخارج أم من الداخل؟ فكيف يمكن إصلاح الأمور في الوطن العربي؟