أضحت اقتصاديات المؤتمرات العلمية والمنتديات الاقتصادية والفكرية، ملمحا مهما من ملامح السياسة الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة، في الآونة الأخيرة، بحكم ما تمثله تلك المؤتمرات من إطار علمي ومنهجي لرسم السياسات المستقبلية للدولة، بل ومنطقة الخليج بشكل عام، علاوة على أن تلك اللقاءات الفكرية تسمح بشكل كبير بالتواصل مع التجارب الاقتصادية الإقليمية والعالمية، بما يسهم في إثراء وتنويع السياسات الاقتصادية لدولة الإمارات، ولعل تنظيم "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، مؤتمر هذا العام، الذي يناقش موضوع "النفط والغاز في الخليج العربي: نحو ضمان الأمن الاقتصادي"، يمثل تجسيدا علميا ومنهجيا، لهذا التوجه الاقتصادي للدولة، ويمكن في هذا الخصوص التوقف عند قضية الأمن الاقتصادي، التي تمثل محورا رئيسيا من محاور مؤتمر هذا العام، حيث أشار المشاركون في المؤتمر إلى أن مصطلح "الأمن الاقتصادي" الذي يسهم المركز، من خلال هذا المؤتمر بتطويره هو مصطلح جديد نسبيا، يلخص العديد من القضايا. ولعل في مقدمة هذه القضايا، ما يعرف بـ"الداء الهولندي"، الذي يعني نشوء اقتصادات مشوهة غير متوازنة، تعتمد إلى حد كبير على العوائد النفطية على حساب نشاطات وقطاعات اقتصادية أخرى. وبطبيعة الحال يعكس مفهوم الأمن الاقتصادي، مستويين، الأول يتعلق، بالمستوى الداخلي للدول، والثاني، يتعلق بالمستوى الخارجي لإسهام الدول المختلفة في الأمن الاقتصادي الدولي. ولعل هناك إجماعاً من المشاركين في المؤتمر على قضيتين رئيسيتين، الأولى، أن حكومات ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أكثر قدرة الآن من فترات الازدهار الاقتصادي السابقة، التي كانت تترافق مع ارتفاع في العائدات النفطية، على استغلال العائدات في إيجاد ازدهار وتنمية مستدامين، بعيدا عن مجرد الاستفادة من العائدات العالية. أما النقطة الثانية، فهي أنه بقدر ما تحمله العائدات العالية الراهنة للنفط والغاز من فرص، بقدر ما تحمل من محاذير، أهمها أن تثني الوفرة الراهنة، جهود تنويع الدخل، والتوطين، بل كانت هناك إشارات إلى أنه حتى في حالة الاستثمار في البنية التحتية، فلابد أن يكون جزء من هذا الاستثمار مخصصا للبنية التحتية الإنتاجية، النفطية وغير النفطية، وليس فقط في مجال الإنشاءات والتطوير العمراني. بهدف بناء اقتصادات أكثر تنوعا. وفي هذا الإطار أضحى الحديث عن توظيف العوائد النفطية الخليجية، من الأهمية بمكان، بما يتناسب مع تطورات المرحلة اقتصاديا وسياسيا وديموجرافيا،ولعل مجال التنمية البشرية يظل من أهم المجالات في هذا الخصوص، عن طريق العمل على بناء مجتمع المعلومات العصري، وتطوير السياسات التعليمية ودفع أفراد المجتمع إلى الانخراط في مجريات التحولات التقنية والاقتصادية الحديثة، من خلال رؤية وطنية شاملة واستراتيجيات دقيقة، تنهض على إقامة مشروعات اقتصادية حقيقية، تمثل إضافة للاقتصاد الوطني، وتشكل رافدا للدخل القومي، وهو الأمر الذي كشفت عنه بجلاء السياسات الاقتصادية للدولة، لتنويع مصادر الدخل القومي، وبناء قاعدة اقتصادية على أسس وقواعد راسخة ومتينة.