كان منظر الأمهات الفلسطينيات اللائي يحملن أطفالهن الرضع وهن يركضن في فزع وسط الظلام بحثا عن ملاذ من قصف الطائرات الإسرائيلية التي راحت تقصف المدارس والبيوت مؤلما للنفس. ولكن من السبب في عودة هذه المشاهد مجددا إلى قطاع غزة؟ في رأيي أن الفلسطينيين وباعتراف قادتهم مثل محمود عباس، وأحمد قريع، وصائب عريقات، لم يتعاملوا بالقدر الكافي من الحذر مع الظرف الراهن. فبدلا من استثمار الانسحاب الإسرائيلي من غزة والذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، استغلها الإسرائيليون أحسن استغلال إلى الدرجة التي جعلت العالم يتعاطف مع مستوطنيهم الذين كانوا يظهرون في الصور وقد ارتموا على الأرض وراحوا يذرفون الدموع الحرى على مغادرتهم لأرض ليست لهم في الأساس، فإن الفلسطينيين راحوا ينظمون استعراضات في غاية السذاجة، تضم عشرات من الفتية الذي أحاطوا رؤوسهم بعصابات خضراء، وراحوا يمسكون ببنادق الكلاشينكوف، ويغطون وجوههم بأقنعة خضراء وسوداء في حين راح بعضهم الآخر دونما سبب معروف يطلق صواريخ لا تسبب الكثير من الدمار ولكنها تسبب إزعاجا على الأقل على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع مما أعطى انطباعا للعالم كله أن الفلسطينيين قوم لا يريدون سلاما وإنما يفضلون أن يعيشوا في حرب دائمة على العكس من الإسرائيليين الذين يريدون السلام وهو ما جعل الجلاد يتماهى مع الضحية بل جعل الجلاد يكتسب العطف والضحية تحظى بالسخط. وبعد ذلك عادت الغارات الإسرائيلية تغتال الناشطين وتقصف البيوت والمدارس والسيارات، وتقتل الأبرياء دون أن يثير ذلك ردود فعل غاضبة من جانب العرب، ولا العالم كما كان يحدث من قبل. وفي الحقيقة أن ذلك يمثل تطورا خطيرا على ساحة الموقف العربي والإقليمي من القضية الفلسطينية وهو تطور يجب ألا يلوم الفلسطينيون أحد عليه سوى أنفسهم. على الفلسطينيين أن يتوقفوا قليلا ليمعنوا النظر فيما يقومون به، ثم عليهم أن يعيدوا ترتيب أوضاعهم بعد ذلك، ويركزوا على البناء وعلى التنمية، بدلا من التركيز على المظاهر الاستعراضية الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
رائد نمر- سوريا