كانت لحظة توجه زعيم حزب ليكود أرييل شارون إلى منصة الحديث، في اجتماع اللجنة المركزية للحزب مساء الأحد الماضي، إحدى اللحظات الشاهدة على تفاقم حدة الصراع بين معسكره ومعسكر بنيامين نتنياهو. كان شارون يعارض انعقاد تلك الجلسة بهدف التصويت على اقتراح تقديم موعد انتخابات الرئاسة على الحزب ليصبح الموعد شهر نوفمبر القادم بدلاً من الموعد الأصلي في ربيع عام 2006. كان سبب معارضة شارون هو معرفته أن غالبية أعضاء اللجنة المركزية تعارض خطته التي تم تنفيذها للانسحاب أحادي الجانب من غزة، وأن هذه الغالبية تتبع في ذلك بنيامين نتنياهو الذي عبر عن احتجاجه بتقديم استقالته من منصب وزير المالية في حكومة شارون. انعقدت الجلسة والتأم شمل اللجنة المركزية يوم الأحد إذن، رغم أنف شارون وبناء على حكم صادر من المحكمة الداخلية للحزب التي لجأ إليها نتنياهو وأنصاره.
لقد جاءت اللحظة الشاهدة على حدة المعارضة لشارون، عندما وقف الرجل ليلقي خطبته بعد أن انتهى جميع الوزراء ونتنياهو من إلقاء كلماتهم بصوت مسموع من خلال ميكروفون المنصة. عندما وقف شارون ليتحدث لم ينطق الميكروفون وبقي الرجل واقفاً يدق على فوهته محاولا ً استنطاقه دون جدوى، فاضطر إلى العودة إلى مقعده في انتظار إصلاح الخلل بالميكروفون. عندما عاد مرة أخرى لم يتجاوز عدد الكلمات التي نطقها عشر كلمات ثم عاد الميكروفون إلى الصمت، وعاد رئيس الوزراء في موقف محرج إلى مقعده منتظراً عشرين دقيقة لإصلاح الميكروفون دون جدوى، فاضطر إلى مغادرة الاجتماع. لم يكن ذلك الموقف الوحيد المحرج، فلقد سبقه بدقائق موقف آخر عندما اتجه شارون إلى المنصة، لقد خرج من القاعة في شكل فوضوي أنصار نتنياهو ليتركوا معظم الكراسي فارغة إعلاناً لرفضهم الاستماع لشارون. ولقد تعالت تساؤلات مراسلي التلفزيون الإسرائيلي الذي تابعت الجلسة على شاشته، يسألون ما معنى انقطاع الصوت بالذات لحظة تحدث شارون؟ وجاءت الإجابات من رجال شارون يتهمون رجال نتنياهو بالمؤامرة، بينما قال رجال نتنياهو إن المسؤولية تقع على شارون ورجاله الذين أرادوا إلصاق التهمة بالمعسكر الآخر. وفي وسط هذا الهرج أعلنت مراسلة القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي أن مجموعة من المستوطنين أعلنوا مسؤوليتهم عن تخريب الميكروفون انتقاماً من شارون لقيامه بتدمير مستوطناتهم في غزة وإخلائهم منها، وقال أحد المعلقين إن هذا الإذلال لشارون سيغير نتائج التصويت لصالحه.
لقد سجل الكثير من المعلقين الإسرائيليين دلالة المشهد الفوضوي المعادي للديمقراطية في ليكود. في اليوم التالي جرى الاقتراع من جانب أعضاء اللجنة المركزية البالغ عددهم ثلاثة آلاف عضو، وهم يعلمون أن الإجابة بنعم على تقديم موعد انتخابات رئاسة الحزب إلى نوفمبر تعني تحضير المشهد للإطاحة بشارون من رئاسة الحزب، وبالتالي من رئاسة الوزراء في نوفمبر وتجميد خطابه السياسي الذي أعلنه من منبر الأمم المتحدة في القمة العالمية منذ أسابيع قليلة، حول أنه يعتبر الانسحاب من غزة مقدمة لاستئناف عملية السلام طبقاً للخطوات التي تحددها خطة "خريطة الطريق". إن تجميد هذا التوجه هو هدف معسكر نتنياهو الذي يعتبره توجهاً خارجاً على أيديولوجية ليكود والسياسات التي يرى تطبيقها في العلاقة مع الفلسطينيين.
لقد دلت نتائج الفرز للأصوات على فوز معسكر شارون بأغلبية مئة وأربعين صوتاً، حيث رفضت الأغلبية اقتراح نتنياهو، وهو ما يعني أن مخطط الإطاحة بشارون في نوفمبر تم تجميده، وبالتالي فإن شارون سيبقى رئيساً للحكومة حتى موعد الانتخابات العادي المقرر في خريف 2006. غير أن هذه النتيجة لا تعني أن معسكر نتنياهو لن يحاول في الانتخابات الداخلية المقرر إجراؤها في مارس، تكرار محاولته مرة ثانية.