وملاحظتي الأساسية هنا هي أن هذه المقترحات بالتطوير، لم تشأ أن تكون على مستوى الهزة أو الصدمة الكبيرة التى يواجهها الوطن العربي، الذي أصبح واحداً من أكبر أقطاره تحت الاحتلال المباشر، والرسمي، والمعترف به دولياً!
ومن ثم فإن هناك إثارة لنزوع متعدد الأبعاد إزاء توصيف سبل الخلاص من هذا الوضع؛ وهل سيكون منطلقاً من بعد قومي أو مجرد أمن سياسي جغرافي في النهاية؟ هل نتحدث عن أمن قومي عربي أم حماية نظام إقليمي استراتيجي في عالم تتعدد فيه أيضاً النظم الإقليمية داخل نظام العولمة الأميركية القائم؟ هذا الملمح البسيط لا يجده القارئ في المبادرات المطروحة كما لا يلاحظ أية جرأة للقبول بهذا أو بذاك من الاختيارات الكبرى·
ولأنني لا أنوي معالجة المسألة العربية في حد ذاتها، لأن المسألة قتلت بحثاً كما يقولون، فليدعني القارئ أذكرّه ببعض الملاحظات الأفريقية ذات الصلة فقط بالمسألة العربية المثارة· وهذه بدورها تثير ملاحظة أخرى· فالخبراء والمسؤولون العرب الذين صاغوا مبادراتهم، بل وجل من علق عليها وقتلها تفكيراً، راحوا مباشرة يقارنون ويأملون في النمط الأوروبي وحده للاتحاد والتطوير، ولا شك أن ثمة ما يجب تأمله، ولكن لفت نظري أن حكومة مصر كانت شريكاً مباشراً وقريبًا جداً من تطوير الموديل الأفريقي للاتحاد والذي استفاد بدوره من مختلف التجارب الإقليمية· ولكن القارئ لا يشعر بأي ذكر لهذه الخبرة المصرية في أفريقيا حينما يقرأ المبادرة المصرية·
ومعروف أن المجال الأفريقي يطرح مسألة مهمة مفيدة للعرب الآن، وهي التجاوز النسبي لقضية القومية الأفريقية و الوحدوية الأفريقية إلى موديل النظام الأفريقي دون المساس بأهداف الاتحادية إن أثيرت، أو أشكال من الكونفيدراليات هنا وهنالك على نحو ما تحاول جنوب أفريقيا وتسعى إلى ذلك داخل منظمة سادك الإقليمية· هنا يدرك الموديل الأفريقي معنى ضعف الدولة مقارنا بأوروبا، ومعنى الديمقراطية الجماعية مقابل الاستبداد العربي· وتبقى الأفريقانية قريبة من تجارب أميركا اللاتينية (وهي بالمناسبة ذات أصول توحيدية) بأكثر من الاقترابات القائمة في آسيا·
وقد عالجت التجربة الأفريقية -التي نتجاهلها بهذا الشكل المؤسف- عدة مسائل بجرأة ملحوظة لا يستطيعها السياسي أو الخبير العربي· ولنأخذ مثلا حول قضية السيادة ومسألة الاعتراف بالنظم الأعضاء، إذ يقرر البيان التأسيسي (مادة 44) حق الاتحاد في التدخل في الحالات الخطيرة مثل جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية، بل وقرر حق الحكومات الشرعية في طلب تدخل الاتحاد لحمايتها· كما يقرر الإعلان (مادة 30) تعليق عضوية أية حكومة تأتي إلى السلطة بطرق غير دستورية· بل إنه عمم بعض أشكال هذا الجزاء على الحكومة التي تتأخر في دفع أنصبتها (مادة 23)··· إلخ·
لم تشأ مبادرات التطوير العربي أيضاً أن تدخل أو تثير نوازع التفكير السياسي لدى الخبراء الذين سيعالجون الموضوع، فلم نثر مسألة متطلبات الأمن القومي أوالنظام العربي وتأثيره على نوع التجمعات الإقليمية الفرعية أو الإجراءات الخاصة بحمايته، وتركت مسألة مجلس الأمن العربي بدون صفة إلى حد وصفه كبديل -في المبادرة المصرية- المنتدى للحوار وليس قوة ردع تنظيمية لحماية النظام · وهذا خلافاً للنموذج الأفريقي الذي صمم أعضاؤه في أول اجتماع تأسيسي للاتحاد في موزمبيق هذا العام على صياغة مشروع مجلس السلام والأمن الأفريقي وحدد قواعد تشكيله وتمثيله للمناطق··· إلخ·
وقد تناست المبادرات العربية للتطوير، وفي ظروف احتلال العراق -أن نضع بعض الأفكار حول قواعد تمثيل شعوب تجد نفسها في مثل هذا الوضع، العراقي، مما ترك كولن باول يحدثنا عن تمثيل مجلس بول بريمر كشبيه لتمثيل منظمة تحرير فلسطين في الجامعة العربية! أما النقطة الأخرى الجديرة باهتمام عدد من الدول العربية، فهي وجودها العضوي في الجماعة الأفريقية بمسؤوليتها نفسها تقريبا في الجماعة العربية ما دامت المسألة القومية لم تعد هي الحاكمة والمعيار· فكان الحديث واجباً بشأن عضوية البعض المزدوجة في الاتحاد الأفريقي والعربي في إطار مبادئ عامة عن وضع التنظيمات المجاورة، وخاصة أن مساهمة الجماعة الأفريقية في عدد من قضايا عرب الشمال الأفريقي غير خافية، بعضها إيجابي فعلاً والبعض استفزازي· ويبقى هناك من يثير مسألة الدول المجاورة أو دول الجوار بمعان مختلفة تمتد من الاحتكام للالتزام الاسلامي (تركيا- إيران) لتصل عند البعض -للأسف- إلى مستقبل وجود إسرائيل! لكنني معني هنا الآن -بالأساس- بحوار الحركة العربية مع نظيرتها الأفريقية أو الإسلامية·
والحديث يطول عن أوجه المقارنة والاستفادة المتبادلة وخاصة من دول المبادرات الواقعة في أفريقيا (مصر-ليبيا-السودان)، والتي تمتد من إصلاح الوضع الراهن إلى الاندماج الكامل في اتحاد الدول العربية على نسق مشروع اتحاد الدول الأفريقية ·
هناك أبعاد اجتماعية أخرى مهمة جديرة بالتأمل العربي لها، ولم تهتم المبادرات العربية بدفعها ضمن فكر جديده في التنظيم