فيما تشهد الوزارات والدوائر المختصة في الدولة سلسلة اجتماعات مكثفة للحدّ من الارتفاع غير المبرّر في أسعار العديد من السلع والمواد في السوق المحلية، بعد أن وصلت هذه الأسعار مستويات غير مقبولة باتت تهدّد الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه الدولة حاليا، وتضعف من جاذبية الدولة وتنافسيتها كمركز للأعمال والاستثمارات الأجنبية والسياحة في المنطقة، وبعد أن بدأ الكثير من المواطنين، خاصة من ذوي الدخل المحدود، يتضرّرون بشدّة من جرّاء موجة التضخّم هذه، أظهرت مسوحات ميدانية أجرتها بعض الجهات المعنية في أيام متفاوتة ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع المبيعة في الجمعيات التعاونية مقارنة بأسعار مثيلاتها في المحلات والمراكز التجارية الأخرى، وهو ما يتعارض مع رسالة الجمعيات التعاونية التي تقضي بتوفير الحدّ الأدنى في السعر السائد في السوق وتوفير أقصى ما يمكن من احتياجات المجتمع بأسعار مناسبة تضمن المحافظة على تكاليف المعيشة للأفراد، والمحافظة على استقرار السوق التجارية، مع ضمان تحقيق هامش ربح معقول·
وفيما كان العديد من المستهلكين يأملون في الاحتماء بالجمعيات التعاونية هرباً من موجة التضخّم المتعاظمة باستمرار، إلا أن الواقع يؤكد أن هذه الجمعيات نفسها أول من ركب هذه الموجة، بل استطاعت هذه الجمعيات أن توظف بذكاء الجهود الرسمية الرامية إلى الحدّ من ارتفاع الأسعار لمصلحتها، وتعزيز موقفها في مواجهة المحلات التجارية الأخرى، في صراع واضح للسيطرة على السوق· وبعد الكشف عن الموازنات السنوية لهذه الجمعيات، سيتأكد للجميع أنها أكبر الرابحين من المعركة الحقيقية التي تقودها الجهات الرسمية في أكثر من جهة ضد ارتفاع الأسعار· وما المعارك الشكلية التي تفتعلها الجمعيات التعاونية إلا غطاء وهمي لعلاقات مصالح مشتركة وروابط تجارية قوية مع المورّدين· وقد لا يكون هناك خلاف كبير على حق الجمعيات التعاونية في تحقيق أرباح معقولة بالوسائل التجارية التي تراها مناسبة ما دام ذلك يتم عبر آليات وطرق ليست على حساب المستهلك، سواء من خلال تأجير أماكن عرض السلع أو إشراك المورّدين في الحملات الترويجية والعروض التخفيضية واستفادة الجمعيات من فروقات التخفيض التي يعرضها المورّد من ناحية والسعر النهائي الذي تعرضه الجمعيات في عروضها التجارية من ناحية ثانية· ولكن ما يلفت الانتباه أن الجمعيات التي تشكو من سيطرة المورّدين وتأثير الاحتكارات التجارية، تبدو في موقف قوي في مواجهة من تشكو منهم، بل وتفرض عليهم نسب تخفيضات حسبما ترى، وهذا لا يلغي بالطبع ما كانت الجمعيات تتحدث عنه بشأن الاحتكارات وممارسات المورّدين ولكنه يلفت الانتباه إلى أنها ليست بريئة تماما من هذه الممارسات· إن الجمعيات التعاونية التي هدفها توفير احتياجات المجتمع بالحدّ الأدنى من الأسعار، وتخفيض تكاليف المعيشة للأفراد، أصبحت تتحرّك في معركتي الأسعار الحقيقية والمفتعلة من خلال زاوية تجارية ضيّقة تسعى من خلالها إلى تعظيم استفادتها وإضعاف موقف منافسيها في السوق دعائياً وتسويقياً وبالتالي تجارياً·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae