كتبت منذ أسبوعين في هذا المكان عن دورة مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، والتي انعقدت يوم الثلاثاء الماضي الموافق التاسع من سبتمبر· ناقشت فيما كتبته آنذاك معضلتين رئيستين واجههما المجلس في دورته المذكورة، تتعلق إحداهما بقضية تمثيل العراق في الجامعة· وانتهت -على رغم رفضي لواقعة احتلال العراق وكل ما تمخض عنها- إلى أن الموقف الأمثل الذي ربما تقتضيه متطلبات السياسة العملية قد يكون إعطاء مجلس الحكم الانتقالي صفة المراقب· تصورت أن هذا المخرج قد يلبي ما طالب به البعض من ضرورة التواصل مع الشعب العراقي وعدم عزله عن محيطه العربي دون أن يصل إلى حد الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي الذي يعتبر -مهما كان تقييمنا لأعضائه سلباً أو إيجاباً- نتيجة لاحتلال خارجي فاقد الشرعية·
لكن مجلس وزراء الجامعة العربية رأى أن يبتكر صيغة غير مسبوقة هي صيغة الاعتراف المؤقت ، ويفهم من وصف المجلس في قراره ذي الصلة للاعتراف بأنه مؤقت بأن دوام هذا الاعتراف مرتبط بمضي المجلس قدماً في طريق التحرك نحو صياغة الدستور وإجراء انتخابات تفضي إلى تشكيل حكومة عراقية ذات سيادة معترف بها دولياً تتولى مسؤوليات السلطة ، وطالب مجلس الجامعة مجلس الحكم الانتقالي في العراق بتقديم جدول زمني واضح لتنفيذ ما سبق، بحيث ينظر فيه المجلس في دورته القادمة التي سوف يبحث فيها مدى التقدم نحو تحقيق الأهداف المشار إليها، ويتخذ القرار المناسب في ضوء التطورات المستجدة، وكلف المجلس الأمين العام للجامعة بتقديم تقرير دوري عن مدى التقدم في تنفيذ القرار·
بدا مجلس الجامعة على هذا النحو وكأنه تخلص ببراعة من مأزق حقيقي كان يواجهه، فقد قبل أن يشغل ممثل الحكومة العراقية التي شكلها مجلس الحكم الانتقالي مقعد العراق، لكنه اعتبر أن ذلك سوف يستمر فقط إذا حدث تقدم منهاجي نحو إنهاء الاحتلال وإعادة سيطرة الشعب العراقي على مقدراته، غير أن الأمور لا تبدو بهذه البساطة·
يقال أحياناً إن أكثر الأوضاع دواماً هي الأوضاع المؤقتة، والواقع أن هذا القول ربما يكون صحيحاً في حالتنا هذه، ذلك أن المجلس لم يتمكن من التوصل إلى قرار يعتبر أن الحكومة العراقية الراهنة لا تمثل العراق تمثيلاً شرعياً، لا أحسبه قادراً على أن يقرر ذلك لاحقاً، ليس بالضرورة لأن هذه الحكومة ستتقدم بحق على طريق الاستقلال ولكن لأن اتخاذ قرار لاحق باعتبار الحكومة العراقية الحالية غير شرعية سوف يتطلب موقفاً موحداً حاسماً من الدول العربية لا أظنها تتخذه لسبب بسيط هو أن كلاً منها ينظر إلى الموضوع من زاويته الخاصة· وبالتالي أتصور أن الحكومة العراقية الراهنة ستظل في المدى القصير قادرة على إظهار أنها تتقدم على طريق الاستقلال، أو على الأقل أنها تحاول ذلك في وجه صعوبات غلابة تحول دون تحقيق ذلك التقدم·
غير أن هذا كله ربما لا يكون مهماً، لأن الأهم هو المعضلات أو المشكلات التي ستترتب على قرار مجلس الجامعة بقبول شغل الحكومة العراقية الراهنة مقعد العراق في الجامعة·
من هذه المشكلات موقف الجامعة من القوى السياسية العراقية الرافضة للمجلس· لقد تحدث الأمين العام للجامعة بوضوح عن إننا سنظل نستمع أيضاً إلى مختلف التيارات السياسية العراقية التي ترغب في التواصل معنا وطرح همومها، وأبواب الجامعة العربية مفتوحة لجميع العراقيين · وهو قول يستحق كل تقدير واحترام، غير أنني أظن أن وضعه موضع التنفيذ سوف يحاط بصعوبات سياسية بالغة أقلها احتجاج الممثل الشرعي المؤقت على مثل هذا العمل الذي يسهل الادعاء بأنه يعوق تحركه نحو استعادة الاستقلال والسيادة، ولن يعدم الممثل الشرعي المؤقت مناصرة عدد من الدول العربية، موقفها أكثر من واضح في هذا الخصوص·
سوف تتفاقم المعضلة أكثر إذا قدر لمنحنى المقاومة العراقية للاحتلال أن يتصاعد، وهو احتمال مرجح سواء لأن هذا واحد من الدروس الأكيدة لخبرات حركات التحرر الوطني المعاصر، أو لأن السلوك الأميركي في العراق يبدو حتى الآن سلوكاً احتلالياً نمطياً من شأنه أن يؤجج المقاومة، لأن المحتل قد يستطيع أحياناً بسلوكه السياسي الرشيد أن يجيد المقاومة العسكرية ولو إلى حين، وهو ما ليس واضحاً أن الأميركيين قادرون على فعله حتى الآن، ناهيك عن أن يكونوا راغبين في ذلك· في حالة تصاعد المقاومة العراقية المسلحة -التي علمنا بالصدفة من وزير الدفاع الأميركي أنها كانت تشن يومياً خمسة وعشرين هجوماً على قواته انخفضت إلى خمسة عشر- سوف تجد الجامعة العربية نفسها في موقف ملتبس، فقد كان سلوكها النمطي في مرحلة النضال من أجل التحرر هو احتضان حركات التحرر الوطني ولفظ الكيانات المرتبطة بقوى الاستعمار والاحتلال، فكيف سيكون موقفها من حركة التحرر العراقي خاصة بعد أن يتأكد أنها غير ذات صلة بالنظام العراقي البائد·
تبقى بعد ذلك نقطة أخيرة لابد من مصارحة بشأنها· فقد خرج مجلس الجامعة من مأزق تمثيل العراق ولكنه بقي محصوراً في دائرة ردود الفعل: فعندما تصاعد التهديد الأميركي للعراق كان رد فعل المجلس في