جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تتجاوز بأهدافها وتداعياتـــها حدود لبنان· والكشف عن حقيقة من خطط لها ومن نفذها يتجاوز مطلب عائلته، وخلفه النائب الشاب والمرجعية سعد الحريري· لأن الأمر يتعلق بمصير كل لبنان ومستقبله وبمصير سوريا معه والمنطقة ككل· فرفيق الحريري كان ظاهرة استثنائية في تاريخ السياسة اللبنانية ورغم كل التقاطعات على الساحة اللبنانية، والتسويات التي كانت تظلل الحياة السياسية اللبنانية والمؤثرات الخارجية الإقليمية والدولية فيها، وبالتالي ضرورات امتلاك أي قائد سياسي لبناني علاقات وصداقات إقليمية ودولية، وقدرة على متابعة كل التطورات، وسعي إلى توفير حضور في مختلف العواصم والمنتديات، فإن رفيق الحريري تقدم على كل السياسيين اللبنانيين في هذا الجانب منطلقاً من نقطة مختلفة عن كل نقاط انطلاق الآخرين· فهو دخل إلى السياسة من غير أبوابها التقليدية· لم يكن ابن عائلة سياسية تقليدية· بمعنى، أنه لم يرث اسم عائلة ارتبط تاريخ البلد في حقبة معينة بها، أو ارتبط دورها ومصيرها بهـــذا التاريخ، وبالتالي لم يرث شبكة علاقات إقليمية ودولية· بل بنى ''مجده'' واسمه وحضوره بتعبه الشخصي، بقدراته الشخصية انطلاقاً من المملكة العربية السعودية فوصل إلى حد تكوين شبكة علاقات دولية وإقليمية هائلة كبيرة، مهمة، متشابكة، تداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالمالي بالاجتماعي بالإنساني مع رؤساء الدول والهيئات والمنظمات والشركات الدولية الكبرى· من هذا الباب، دخل إلى السياسة اللبنانية بعد سنوات من العطاء والحركة لإقرار السلام في بلاده· فقد سبقه اسمه ودوره إلى المسؤولية الرسمية في الحياة السياسية اللبنانية لكثرة ما تردد في وسائل الإعلام اللبنانية والعالمية من خلال الدور الذي كان يقوم به موفداً من قبل المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز للمساهمة في حل الأزمة اللبنانية· وعندما أصبح رئيساً للحكومة اللبنانية انفتحت آفاق جديدة أمام لبنان، وأبواب جديدة أمام الرئيس الشهيد دخل منها لخدمة قضايا لبنان وسوريا والعرب فبات مع الأيام رمزاً من رموز السياسة والدبلوماسية في العالم· إذا دخلت إليه من لبنانيته فهو استثناء· وإذا دخلت من سنيته فهو استثناء في اعتداله وقدراته ومرجعيته وكلمته النافذة و''معرفته'' وإدراكه للتوازنات في لبنان وحرصه عليها، وانفتاحه وتقديره الدقيق لحجم التحديات التي تعيشها الأمة ودوره في لبنان والمنطقة، وسعيه لتأكيد وحدة المسلمين ونصرة قضاياهم· وإذا دخلت إليه من عروبته فهو عربي قح صحيح صادق وفيّ مؤمن وملتزم بانتمائه ومدافع عن قضايا العرب كل العرب· وفي هذا الإطار، كنت تراه سورياً وعراقياً وفلسطينياً ومصرياً وسعودياً بقدر ما تراه لبنانياً· وكنت تراه على علاقة وطيدة مع باكستان وإيران وتركيا ومع روسيا وأميركا، وفرنسا وبريطانيا، وأسبانيا واليابان والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين وكندا وغيرهـــا··· لم يترك منطقة في العالم إلا زارها· تحرك فيها، حرك اللبنانيين والعرب والمسلمين فيها· وحرك دولها من اجل السلام والإنسانية في العالم وخصوصاً في الشرق الأوسط· وفي هذا المعنى، لا يستطيع أحد أن يزايد يوماً على رفيق الحريري القومي العربي بمواقفه تجاه إسرائيل وهو كان رمزاً من رموز دعم المقاومة الميدانية العسكرية في وجهها ومن رموز مقاومة مشروعها الداعي إلى التفتيت والتدمير، وهو كان صاحب الدور الأساس في إسقاط هذا المشروع والسعي لاحقاً إلى التوحيد والتعمير ولذلك كان رائد المقاومة من أجل النهوض والإنماء والإعمار وإعادة إطلاق دور لبنان على الساحة الدولية وإعطاء الأمل إلى اللبنانيين·
أخطأ رفيق الحريري في حياته· نعم· وهو إنسان ومسؤول ورجل لا يهدأ· ويعمل بتواصل· وكان وبشجاعة وعفوية يعترف بالخطأ· ويعلِّم نفسه من تجربته وتجارب الآخرين· لكنه حقق إنجازات كبيرة· إلا أن الشيء المؤلم أن كثيرين من الذين كانوا ولا يزالون يتغنون بالوحدة والعروبة والديمقراطية أخطأوا معه وبالتالي أخطأوا مع لبنان !! لأنهم حرموه وقبل استشهاده (أي حرموا لبنان) من الاستفادة من كل ما كان يمكن أن يقوم به هذا الرجل لو كان ثمة تعاون وصدق في التعامل معه ورغبة في الاستفادة من طاقاته وإمكاناته· وحاولوا القضاء على الأمل باغتياله، وجعلوا لبنان يدخل مجدداً في دائرة التجاذبات والحسابات الدولية والإقليمية، وجعلوا كل ما تحقق فيه من إنجازات مهدداً !!
نعم لقد تراجع لبنان· لقد خسر لبنان كثيراً· واللبنانيون قبل رفيق الحريري كادوا يخسرون مروان حمادة، وبعده خسروا سمير قصير وجورج حاوي، وكادوا يخسرون مي شدياق، بات كل شيء مهـــدداً في لبنان· بات كل رمز مهدداً في لبنان· كل إنجاز مهدداً· وكل مشروع مهدداً· لبنان كله بات مهدداً· الوحدة الوطنية مهددة· المقاومة مهددة· عدنا إلى الحديث عن الفيدراليات· عن أزمة الثقة العميقة بين اللبنانيين· عن الخلافات أو الفتن· الفتنة السنية- الشيعية الفتنة المسيحية - الإسلامية، الفتنة السنية - السنية، عن الأحق