التصريحات الأخيرة لسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، والتي كشف فيها أن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين والإدارة الأميركية قد وافقا قبيل اندلاع حرب العراق في منتصف مارس ،2003 على المبادرة الشجاعة التي أطلقها يومئذ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي طرحت تنحي صدام كمخرج من المحنة، هذه التصريحات كان لها وقع سياسي وإعلامي في منتهى القوة، لأن المراقبين والمؤرخين بل وشعوب المنطقة والعالم يرغبون اليوم في معرفة السبب الذي حال دون الاستفادة من الفرصة الذهبية التي أتاحتها مبادرة المغفور له الشيخ زايد· وللتذكير فقد جاءت مبادرة الشيخ زايد في تلك اللحظات الصعبة الرهيبة من التاريخ التي تلقي فيها نذر الحرب بثقلها على الجميع، ويكشف فيها القادة والزعماء الحقيقيون عن معدنهم الأصيل· يومها كانت لعبقرية الشيخ زايد الكلمة الفصل، وتحرك رحمه الله بكل ما له من رصيد في قلوب جميع الأطراف الإقليمية والدولية، وبدافع الحرص الشديد على سلامة العراق وكرامته، ووحدة شعبه، أولاً وأخيراً· بادر زايد رحمه الله حين أحجم كثيرون، في المنطقة وخارجها، وعجزوا عن أن يحركوا ساكناً لوقف الحرب، ووقاية الأبرياء من ويلاتها· نقول هذا للتاريخ، ولأجيالنا القادمة، اعتزازاً ووفاءً وافتخاراً بحكمة قائدنا المؤسس، وشجاعته، وإنسانيته، ومواقفه الرجولية، في لحظات التاريخ الصعبة·
السؤال المطروح هنا: ما دامت أطراف الصراع وافقت على مبادرة الشيخ زايد رحمه الله، فلماذا لم يتم تفعيلها، وحقن دماء كل هؤلاء الضحايا الأبرياء؟ الإجابة لا يعرفها سوى الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي عارض وقتها إدراج المبادرة على جدول أعمال القمة العربية المنعقدة في شرم الشيخ وكان يفترض به ألا يفعل حماية للأمن القومي العربي، ولأمن واستقرار الشعب العراقي، وحفاظاً على سيادة العراق ووحدته، و''عروبته'' التي نراه الآن يذرف عليها دموع التماسيح·
بعد تصريحات سمو ولي عهد أبوظبي دفع البعض بادعاءات ومزاعم من قبيل أن مبادرة الشيخ زايد كان لابد أن تمر قبل عرضها على الجامعة العربية بعدة مراحل إجرائية ودبلوماسية وأن الوقت كان ضيقاً، وأن الظروف لم تمهل أحداً إلى آخر الحجج الواهية المضللة، والكل يعلم أن مجرد موافقة أطراف النزاع في حد ذاتها تنسف هذا الادعاء الواهي، كما أن عرض قائد عظيم يتفق الجميع على مكانته في النظام الإقليمي العربي، كان يختصر أصلاً الوقت والجهد والبيروقراطيات الدبلوماسية العقيمة في الجامعة، وفي الترتيبات الجامدة لتنظيم القمم العربية· والمفارقة أن الأمين العام نراه اليوم ''رايح جاي'' كما يقال، على بغداد، وعلى النجف، وعلى كردستان، وربما يعرج أيضاً قريباً على طهران، وأثناء ذلك كله يطلق التصريحات والوعود بالجملة، بأن الجامعة العربية ستقدم قريباً مبادرة تحل كل مشكلات العراق الحالية، وكل هذا كان يمكن تجنبه بتبني المبادرة الكريمة التي أجهضها هو·
شخصياً أرى أن الأمين العام قد بلغ ذروة إخفاقه السياسي يوم ضيَّع تلك الفرصة الذهبية، وينبغي عليه إذا كان حقاً يحترم أمانة الكلمة، ويشعر بجسامة المسؤولية أمام الأجيال القادمة وأمام التاريخ، أن يمتلك القدر الكافي من الشجاعة لكي يعلن اليوم وليس غداً في مؤتمر صحفي طارئ، وعلى وجه السرعة، وأمام عدسات التلفزيون أنه أخطأ خطأ تاريخياً جسيماً ما زال الشعب العراقي الشقيق يدفع ثمنه من دماء أبنائه، ومن مستقبله ووحدته الوطنية، وأن يعلن أنه يتحمل المسؤولية كاملة غير منقوصة، وأنه يقدم استقالته، اعترافاً بالخطأ واعتذراً من العراقيين وإشفاقاً من أحكام التاريخ ومن نقمة الأجيال القادمة··· لكن هل يفعلها عمرو؟!