د. أكمل عبدالحكيم


قليلة هي الأمراض التي تثير الرعب في قلوب المرضى والأطباء على حد سواء مثلما يثير مرض السرطان من الرعب والفزع· فذكر إصابة شخص ما بهذا المرض اللعين، يدفع بنا جميعا إلى تذكر الموت، مع شبه فقدان للأمل في بقاء من أبتلي به على قيد الحياة لفترة طويلة· هذا على رغم أن ذلك الاعتقاد غير صحيح، فالإحصائيات تثبت وجود أعداد هائلة من المرضى أصيبوا بنوع أو آخر من السرطان، ثم كتب لهم الشفاء منه، والاستمتاع بالحياة من بعده لسنوات طويله· ويمكن أن نعزو هذه السمعة السيئة جدا للسرطان ليس الى أنه لا شفاء منه، ولكن بسبب أن نسبة الوفيات بين من يصابون به تعتبر مرتفعة جدا مقارنة بالأمراض الأخرى· والعامل الآخر في تسبب السرطان في هذا الرعب، هو الانتشار المتزايد الذي أصبح هذا المرض يشهده بين أفراد الجنس البشري خلال العقود الأخيرة· ففي بريطانيا مثلا يتم تشخيص خمسة آلاف حالة سرطان في الأسبوع الواحد· وتقدر الدراسات أن واحدا من بين كل ثلاثة بريطانيين سيصاب بنوع أو آخر من السرطان في فترة ما من حياته· بينما تشير التوقعات المستقبلية إلى أن هذه النسبة سترتفع إلى واحد من بين كل شخصين خلال العقود القادمة، وهو ما يعني أن نصف الشعب البريطاني سيصاب يوما ما بالسرطان· ففي الولايات المتحدة مثلا، يحتل السرطان المركز الثاني في قائمة أسباب الوفيات بين الشعب الأميركي· وليس الحال بأفضل في الولايات المتحدة مقارنة ببريطانيا، فمن بين الأميركيين يصاب نصف الذكور وثلث النساء بنوع أو آخر من السرطان في وقت ما من حياتهم· أما على مستوى العالم، فيوجد حاليا الملايين من البشر المصابين بالسرطان، أو ممن أصيبوا به في وقت مضى ونجوا منه· وبوجه عام يشير الباحثون في التاريخ الطبي للجنس البشري، إلى وجود زيادة مطردة في معدلات الإصابة بالسرطان مقارنة بالأجيال السابقة· وهذه الملاحظة لا تقتصر فقط على المتخصصين، بل إنها أصبحت ضمن المعرفة العامة للكثرة الغالبة من الجمهور غير المتخصص أيضاً· إلى درجة أن الكثير من الطاعنين في السن والذين لا زالوا موجودين حاليا بيننا، يقسمون بأن السرطان كمرض لم يكن موجوداً بالمرة بين أفراد عائلاتهم أو بين سكان قراهم منذ بضعة عقود مضت· هذا الاعتقاد بلا شك اعتقاد خاطىء، فالسرطان يصيب أفراد الجنس البشري منذ أن وطئت قدم الإنسان أرض هذا الكوكب· ويمكن إرجاع الزيادة المطردة في انتشاره حاليا إلى سببين؛ أولهما تطور الطب وعلم التشخيص· ففي العقود القليلة الماضية شهدت تكنولوجيا الفحوصات الطبية التشخيصية ثورة هائلة، قضت تقريبا على الخطأ في تشخيص الحالات المرضية السرطانية، ومن ثم تصنيفها تحت مسميات أمراض أخرى أو ضمن حالات مرضية غير معروف سببها· أما السبب الثاني والمتهم الأول في زيادة معدلات السرطان، فهو التغيرات البيئية والغذائية التي شهدتها المجتمعات البشرية منذ بداية الثورة الصناعية وحتى ثورة المعلومات التي نعيشها حاليا· حيث تعتبر التغيرات التي طرأت على مكونات الغذاء البشري اليومي، وما تبعها من دخول مواد كيمياوية جديدة على الجسم البشري، من أهم المتهمين في زيادة الإصابة بالسرطان بين البشر خلال العقود الماضية·وكمثال واضح على مدى الضرر الذي يمكن أن تحدثه المواد الحافظة والإضافات الكيمياوية للغذاء البشري اليومي على الصحة العامة، عقد في نهاية شهر يونيو من العام الماضي مؤتمر طارىء، تحت إشراف كل من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، لمناقشة احتمال احتواء بعض الأغذية المستهلكة حاليا بكثرة على مواد مسببة للسرطان· والغريب في هذه القمة أن الأمم المتحدة دعت إليها كقمة طارئة منعت وسائل الإعلام والجماهير من حضور جلساتها· والسبب خلف عقد هذه القمة الطبية السرية الطارئة هو دراسة أجريت في السويد، أثبتت وجود كميات كبيرة من مادة كيمياوية في بعض الأطعمة الشائعة الاستهلاك حاليا· هذه المادة معروف عنها أنها تسبب طفرات في الجينات الوراثية لحيوانات التجارب، وينتج عن تناولها حدوث أورام حميدة وخبيثة في المعدة، بالإضافة إلى إتلافها للجهاز العصبي المركزي والأعصاب الطرفية في تلك الحيوانات· هذه العلاقة المعروفة بين الغذاء والسرطان، جعلت أيضا العديد من الباحثين ينظرون إلى ما نتناوله كطعام من نباتات وحيوانات، بحثا عن دواء يقينا من خطر هذا البلاء أو على الأقل يقلل من وقعه على المنكوبين به· وبالفعل شهد الأسبوع الماضي اختراقين في هذا المجال، أحدهما جاء من الولايات المتحدة في شكل اكتشاف أن زيوت أحد الزهور البرية )ylliL nroC( يمكنها تقليص حجم الأورام السرطانية الخبيثة· ويعتقد العلماء الذين توصلوا إلى هذا الاكتشاف أن هذا الزيت النباتي )enimapolcyC(، سوف يكون فعالا في وقف زحف سرطان البنكرياس والمعدة والمريء والمرارة· هذه النتائج توصل إليها علماء جامعة جونز هوبكنز من خلال التجارب على الفئران وعلى الخلايا البشرية في أطباق المع