يبدو أن الخلاف الذ ي نشب بين الدول العظمى في الأمم المتحدة حول موقف مجلس الأمن والمنظمة الدولية في دعم الأمن والاستقرار في العراق قد انتقل إلينا في المنطقة· في مجلس الأمن طالبت فرنسا بجدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وتسليم السيادة للشعب العراقي قبل أن تقوم فرنسا ومعها بعض الدول الأوروبية بدعم الأمم المتحدة في العراق· وزير الخارجية الأميركية في تصريحاته رفض تحديد موعد لعودة السيادة للعراقيين وأكد أن الأولوية اليوم هي لتحقيق الأمن والاستقرار وبعدها بدء عملية الإعمار وبعد ذلك تتم تهيئة الشعب العراقي لحكم نفسه بنفسه ديمقراطياً· ولكي تتم تهيئة البلد للديمقراطية نحتاج إلى لجنة لإعداد الدستور وصياغته وبعد ذلك تتم مناقشته وإقراره وهذا يتطلب وقتاً ·
الدول العربية كذلك مختلفة حول بقاء أو انسحاب القوات الأميركية في العراق، مصر وسوريا طالبتا بانسحاب قوات التحالف وجعل العراقيين يقررون مصيرهم بأنفسهم·
دول الخليج العربية التي دفعت إلى قبول العراق في الجامعة العربية، موقفها غير واضح ما عدا الكويت التي أعلن رئيس وزرائها الشيخ صباح الأحمد في الأسبوع الماضي عندما التقى الرئيس بوش حيث طلب من الرئيس بوش بقاء القوات الأميركية في العراق حتى تستقر الأمور فيه، واعترف الشيخ صباح أنه لا أحد يفضل بقاء قوات أجنبية محتلة على أراضيه ، لكن ظروف الأمن في العراق تحتم بقاء دول التحالف حتى تستقر الأمور في العراق·
السؤال المطروح علينا في الخليج هو: هل من مصلحتنا بقاء قوات التحالف أم انسحابها من المنطقة؟
الإجابة على هذا التساؤل صعبة لأن قادة دول الخليج كعادتهم دائماً لا يعلنون مواقفهم بشكل واضح ما عدا الكويت التي اتخذت موقفاً واضحاً من هذا الأمر كما أوضحنا سابقاً·
ما فهمته من حواري مع الكثير من السياسيين والأكاديميين الأميركيين الذين لهم دور في رسم السياسة الأميركية، أن دول الخليج عموماً تفضل بقاء القوات الأميركية·· لحفظ الأمن في العراق ولمساعدة الدول الخليجية في محاربة الإرهاب الدولي الذي بدأ عملياته ضد الأنظمة الخليجية·
استقرار العراق اليوم قضية تهم كل الدول العربية والخليج بشكل خاص، فليس من مصلحة أحد أن ينفرط الأمن في العراق وتبدأ حرب أهلية فيه، فإذا كانت بعض الدول العربية جادة في مطالبتها بانسحاب القوات الأميركية، فهل لدى هذه الدول الاستعداد لبعث قواتها لحفظ الأمن في العراق؟ الأنظمة العربية كما يعرف الجميع غير قادرة على حماية نفسها فما بالك بحماية الشعب العراقي·
بقاء قوات التحالف الغربي في العراق أفضل للشعب العراقي والشعب العربي ككل·· العراق اليوم أصبح حقل تجارب لنجاح أو فشل الديمقراطية في العالم العربي·· بناء المؤسسات الدستورية الديمقراطية يتطلب فرض القانون على الجميع·· بعض الميليشيات المسلحة في الجنوب جماعة مقتدى الصدر ترفض تسليم أسلحتها وتريد أن تحافظ على جيشها وقواتها، فإذا كانت كل جماعة تريد المحافظة على نفسها بالتسلح، من يضمن الأمن؟ الأحزاب القومية والإسلامية التي لم تنطلق في تظاهرة واحدة طوال عهد صدام حسين لمدة ثلاثين عاماً، تتظاهر اليوم مطالبة بانسحاب القوات الأميركية·· لماذا؟ حتى تعم الفوضى العراق وتبدأ الأحزاب الفاشية الاستبدادية من أمثال جماعة ابن لادن و القاعدة فرض نفسها على العراق·· نأمل أن يعلن قادة الخليج مواقفهم قبل خراب البصرة أو العراق ككل·