دفع ارتفاع أسعار الوقود عقب إعصاري ''كاترينا'' و''ريتا'' عدة أعضاء في الكونغرس إلى الدعوة إلى الزيادة في الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة من النفط الخام ووقود الديزل ووقود التدفئة ووقود الطائرات وغاز ''البروبان''· ويزعم دعاة الزيادة في المخزون أنه في حال عمدت الحكومة إلى تخزين هذه المواد عندما تكون الأسعار منخفضة، فإنه سيصبح بإمكانها طرحها في الأسواق عندما تنقص الإمدادات، وهو ما من شأنه الحد من ارتفاع الأسعار والمساهمة في استقرار الأسواق·
غير أن التجربة في هذا البلد الذي يتوفر على احتياطي نفطي استراتيجي تشير إلى أن هذا المخزون الذي تديره الحكومة ليس سوى هدر لأموال المواطنين دافعي الضرائب· ولذلك يجب استعمال الاحتياطي وإغلاقه بدل الزيادة فيه، ذلك أن تكلفة صيانة المخزون العمومي هي أغلى بكثير مما قد يعتقده المحللون، فعلى سبيل المثال، كلف الاحتياطي الاستراتيجي دافعي الضرائب على الصعيد الفيدرالي ما لا يقل عن 51 مليار دولار منذ أن تم إنشاؤه سنة ·1975 وحين نقوم بقسمة هذا المبلغ على كمية النفط الموجودة في الاحتياطي، فإن النتيجة هي 80 دولارا للبرميل الواحد بنهاية ·2003
وحتى بهذا المبلغ قد يعتبر البعض أن الاحتياطي ضروري ومفيد في بعض الظروف، وذلك لأن الكثير من علماء الاقتصاد يعتقدون أن سعر النفط ليس هو ما يضر بالاقتصاد خلال الفترات التي تشهد ارتفاع الأسعار، وإنما الضبابية والغموض اللذين يطبعان السوق جراء عدم انتظام وصول الإمدادات وتكلفة التأقلم مع الأسعار المرتفعة وردود الفعل السياسية على ارتفاع أسعار الطاقة· وبالتالي فلو كانت السلطات تعمد إلى طرح كميات كبيرة من النفط الفيدرالي في بداية الأزمات النفطية التي يختل فيها الإمداد، فإن من شأن ذلك أن يخفف من حدة آثارها·
غير أن الملاحظ هو أن الحكومة لم تستعمل يوماً المخزون بهذه الطريقة، وقد لا تفعل أبدا، لأن السياسيين لا يرغبون في المجازفة بطرح كميات من النفط العمومي مبكرا لأنه لا أحد يعلم الفترة التي ستستغرقها الأزمة، وإلى أي حد قد ترتفع الأسعار، وما إن كانت اضطرابات أخرى في الأفق·
وخلال تاريخه الذي يقارب الثلاثين سنة، لم يِستعمل الاحتياطي الذي يبلغ 700 مليون برميل، والذي وافق الكونغرس مؤخرا على رفع سعته إلى مليار برميل، سوى ثلاث مرات، حيث تم استعمال 21 مليون برميل من الاحتياطي أثناء حرب الخليج في بداية التسعينيات، وتم استعمال 30 مليون برميل في سبتمبر من سنة ،2000 فيما استعملت 24 مليون برميل السنة الماضية في أعقاب إعصار ''كاترينا''·
ولعل أحد الأسباب الأخرى وراء الامتناع عن استعمال الاحتياطي يتمثل في أن الكثير من الناس يعتقدون بضرورة الاحتفاظ به تحسبا لحظر نفطي على غرار ذلك الذي تعرضت له الولايات المتحدة سنة ·1973 إلا أن الحظر النفطي ليس بالضبط ذلك السلاح القوي كما يعتقد معظم الناس، إذ عندما تبيع إحدى الدول المنتجة نفطها في السوق العالمية، يمكن بعدئذ شراء ذلك النفط وبيعه وتغيير وجهته بشكل متكرر، فالمنتج لا يمكنه التحكم في الوجهة الأخيرة للنفط· ثم إن عولمة سوق النفط تضمن توصل الولايات المتحدة دائما بنفط الخليج العربي سواء شاءت دول ''الأوبك'' أو لم تشأ·
ولكن، عوض سيناريو الحظر النفطي، ماذا قد يحدث لو وقعت اضطرابات كارثية في الإمدادات، صحيح أن هذا السيناريو مقلق ومفزع، إلا أنه لن يكون بوسع الاحتياطي الاستراتيجي سد الانخفاض الذي قد ينجم في هذه الحالة· إذ لن يستطيع الاحتياطي الذي تتوفر عليه البلاد، مهما يكن حجمه، أن يفي بالغرض في ظل سيناريو مماثل· ولتقريب الصورة من الأذهان، فحتى لو كنا استعملنا كل النفط الموجود في الاحتياطي سنة ،2004 لم تكن نسبته لتتعدى 2,6 في المئة من الإنتاج العالمي، ما يعني استحالة تعويض النفط الذي يضخه منتج كبير بشكل مستمر، ولذلك فإن إنشاء احتياطي من الكبر بحيث يعوض الإنتاج السعودي سيكون مكلفا جداً· ولحسن الحظ فإنه من المستبعد جداً أن تدفع الأسباب السياسية بلداً منتجاً إلى تخفيض إنتاجه بشكل كبير، إذ أن تلك البلدان تحتاج الأموال التي يدرها عليها النفط بقدر حاجة الدول الصناعية للنفط إن لم يكن أكثر، وحتى الأنظمة المناوئة للولايات المتحدة، مثل النظام الإيراني والنظام الفنزويلي، ليس من مصلحتها تعليق إنتاج النفط لأنه سيؤدي بالضرورة إلى انتحارها الاقتصادي·
إن التخلص من الاحتياطي العمومي من النفط لا يعني القضاء على جميع مخزونات النفط، فمخزونات النفط الخاصة تعتبر أكبر بثلاث مرات من المخزونات العمومية، وبإمكانها أن تكون أكبر لولا خشية المستثمرين من أن تعمد الحكومة إلى إغراق السوق بالنفط العمومي خلال فترات ارتفاع الأسعار· كما أن صيانة المخزونات باهظة ومكلفة، ولن تكون مفيدة ومربحة إلا إذا استطاع المستثمرون البيع بأسعار مرتفعة أثناء فترة ارتفاع الأسعار·
والواقع أن عدداً من علماء الاقتصاد يجمعون على أن كل برميل نفط نقوم بوضعه في الاحتياطي العمومي إنما كان سيذهب في واقع ا