تحدثت بعض وسائل الإعلام العربية مؤخراً حول هجر العشرات من الإماراتيين للوظائف الحكومية والخاصة واللجوء إلى سوق الأسهم واتخاذ المضاربة وظيفة جديدة لهم، بعد أن أتاحت لهم البنوك فرصا مغرية للاقتراض· ولم تقتصر دوافع ترك الوظيفة على الفارق الشاسع ما بين المردود المالي الذي يمكن أن يجنيه الشخص من المضاربات اليومية في السوق والراتب المحدود الذي يتعرض لضغوط مستمرة بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، بل اضطر كثير من الموظفين إلى ترك وظائفهم واللجوء إلى السوق بعد أن قام رؤساؤهم في العمل بقطع خدمة الإنترنت عنهم والتي كانوا يستخدمونها لمراقبة حركة الأسواق لأن انشغال الموظفين في مراقبة الأسواق أضعف إنتاجيتهم في العمل، كما ظلت حالة السوق تنعكس إيجابياً أو سلباً على أداء الموظفين، فكلما اكتست الأسهم باللون الأخضر ارتفعت معنويات الموظفين وكلما اصطبغت بلون الدم دفع المراجعون للدوائر الحكومية الثمن(!) ويقال إن هناك فريقا ثالثا من الموظفين فضل البقاء في وظيفته، ولكنهم اشتركوا في خدمة الشامل للإنترنت ودربوا عائلاتهم على فنون المضاربة في الأسهم من المنازل، على أن يناوروا هم عبر الهاتف من بعد، في انتظار تقنيات الجيل الثالث من الهواتف المتحركة، وما وعدت به شركات مراقبة أسواق الأسهم من نقل ما يدور في قاعات التداول بالصوت والصورة عبر شاشات الهاتف، ما يعني نقل سوق الأسهم إلى داخل كل مؤسسة أو دائرة حكومية· وهناك شريحة رابعة من الموظفين مولعة هي الأخرى بأسواق الأسهم، ولكنها تكتفي فقط بـ''زيارة الخميس''، وهو اليوم الذي يمثل إجازة أسبوعية لموظفي الوزارات والدوائر الحكومية المختلفة·
من يقوم بإجراء دراسة جدية وشاملة حول انعكاسات هذا النمط من التعامل بالأسهم على إنتاجية العمل في الدوائر الحكومية، وعلى كفاءة سوق الأسهم نفسه، وعلى مجمل الأوضاع الثقافية والاجتماعية للمجتمع المحلي، يمكن أن يخرج بنتائج ومؤشرات في غاية الأهمية· فالدوائر والمؤسسات الحكومية ستشهد مزيدا من الانخفاض في مستويات الإنتاجية كلما زاد انشغال موظفيها بما يدور في قاعات تداول الأسهم أولاً بأول، بينما يلحق ضرر مماثل على أسواق الأسهم نفسها التي ينضم إليها مزيد من صغار المتعاملين من بعد، في ظل ما تعانيه هذه الأسواق من ضعف مستويات الوعي الاستثماري المرتبط بأبسط القواعد والأسس الصحيحة في الاستثمار لدى الهواة وصغار المتداولين من الموظفين وذوي الدخل المحدود الذين أصبحت قرارات التداول لديهم اجتهادية وعاطفية أكثر من كونها علمية وواقعية، بل وإن كانت هناك استشارات فهي لا تتجاوز في كثير من الحالات الوضع الراهن للأسعار ومتغيرات السوق، حيث إن سوق الأسهم لا يحتمل متابعة موسمية، بل يتطلب جهداً مضنياً وتحليلاً عميقاً لمعطيات السوق أولاً بأول، كما يؤدي ضعف الوعي الاستثماري لدى هذه الشرائح من المستثمرين أو ''الموظفين'' إلى ثغرة كبيرة في سوق الأسهم، حيث يعد وجود وعي بالأساليب السليمة للاستثمار في الأسهم ركنا أساسيا لنجاح السوق نفسه، بل ويمكن أن يمثل ضعف الوعي الاستثماري لدى هذه الشرائح منفذا خطيرا لتبديد رأس المال الوطني·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae