يقول الاتحاد التعاوني الاستهلاكي، مرة أخرى، إنه فوجئ بقائمة جديدة تضم 18 موردا من كبار الموردين الذين يتعاملون مع الجمعيات التعاونية ويتحكمون في توريد سلع غذائية ضرورية على النطاق المحلي، يخطرونه فيها برفع أسعار السلع الغذائية والمواد التي يقومون بتوريدها إلى فروعه المتمثلة في الجمعيات التعاونية على مستوى الدولة، ما يشكل تحديا جديدا للجهود الرسمية في مواجهة ارتفاع الأسعار الذي شهدته الدولة مؤخرا، خاصة وأن القائمة تضم سلعا غذائية ضرورية تمس حياة كل أسرة ويشكل رفع أسعارها، حتى ولو بنسبة بسيطة، عبئا كبيرا على ذوي الدخل المحدود في المقام الأول· فرغم تنوع المساعي الحكومية على أعلى المستويات لضبط حركة الأسعار، والتي كان آخرها تدخل مجلس الوزراء، الشهر الماضي، بشأن أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية ووضع حد للأسلوب الاحتكاري الذي انتهجته تكتلات المنتجين في تحديد أسعار هذه السلع في السوق المحلية، إلا أن الأسعار وتعنت المحتكرين والموردين في ازدياد متواصل لا تعبأ بشيء من هذا القبيل·
وهكذا تتهيأ الأسعار لموجة جديدة متصاعدة، بما يجعل منها مشكلة حقيقية معقدة، لها حلقات مفرغة يصعب الخروج منها، بل إن استمرار غياب آليات ضبط الأسعار من شأنه تشجيع موردين وتجار آخرين، قد لا يكون ضمن أجندتهم رفع الأسعار، على اتخاذ قرارات مشابهة، بعد أن تحولت عملية رفع الأسعار إلى ما يشبه ''الموضة''، إذ لا توجد حاليا مبررات اقتصادية كافية لرفع الأسعار، خاصة خلال هذه الفترة التي تشهد قدرا كبيرا من الاستقرار في سوق الإنتاج المحلية· إلا أن ذلك يبدو أمرا غير مستغرب بعد أن أصبح الهدف الأساسي من تكتلات الموردين أو المنتجين في الدولة هو تحديد مستويات أعلى للأسعار، إذ لا أحد يجتمع أو يتكتل أو يتعاون من أجل تخفيض الأسعار، رغم أن السوق المحلية مرت بحالات عديدة في السابق تستدعي تخفيض الأسعار وليس رفعها، وكل ذلك يتنافى مع مبدأ الاقتصاد الحر الذي تنتهجه الدولة، ويقلل الكفاءة الاقتصادية في عمل المنشآت ويؤدي إلى هدر في الموارد الاقتصادية ويشجع المنتجات الأقل جودة·
إن هذه الممارسات، ومثيلاتها من التجارب السابقة، تثير نقطة رئيسية ملحة للخروج من ''حلقة الأسعار'' المفرغة هذه، وهي التحول لصيغ تشريعية وفنية ومؤسسية في مواجهة قضية الأسعار· فهناك ضرورة ملحة لوضع ضوابط تشريعية، في مقدمتها مراجعة قانون الاحتكار التجاري والوكيل الحصري للسلع، خاصة الضرورية منها، بما يهدف إلى إنهاء احتكار تداول هذه السلع، وبما يوفر البيئة الصحية لآلية السوق كي تعمل بشكل صحيح· كما أن حماية المستهلك من التصرفات الاحتكارية هي أحد أهم الأهداف التي تحققها المنافسة بين المنتجين أو الموردين، والتي توضع من أجلها القوانين الاقتصادية في دول الاقتصاد الحر التي تلاحق التصرفات الاحتكارية قانونيا· إلا أن هذا التدخل التشريعي المطلوب في أكثر من اتجاه، يجب أن تدعمه سياسات اقتصادية ومالية تعمل على التأثير في مؤشرات اقتصادية محددة، لا تخل بقواعد الحرية الاقتصادية، ولكن تستهدف لجم أي اتجاه غير مبرر لرفع الأسعار·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae