أعلنت منظمة الأمم المتحدة، وكذلك فعلت وزارة الخارجية الأميركية، والطرفان لا يختلفان كثيراً في كثير من الرؤى، أنه لابد من تدخل قوات غير القوات الأفريقية لقيادة عملية إعادة الأمن في إقليم دارفور، الذي يزداد الوضع فيه تردياً كل صباح· جاء الصوت الأول من الأمين العام للمنظمة في نهاية الأسبوع الماضي الذي اقترح على مجلس الأمن دعوة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساعدة في بناء قوة عسكرية متنقلة قادرة على وقف عمليات القتل والنهب والاغتصاب المتفشية في دارفور، وتبع ذلك تأييد للاقتراح بصورة عامة جاء على لسان وزيرة الخارجية الأميركية في واشنطن وعدد من أعوانها·
لقد ظل أمر الرقابة على وقف إطلاق النار في دارفور منذ أكثر من عام يقوم بها الاتحاد الأفريقي (منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً) وبقوات وصل عددها إلى 6 آلاف رجل، ولكن لأن مساحة الإقليم تعادل مساحة فرنسا، ولضعف أو انعدام البنية التحتية مثل المطارات والطرق، وما إلى ذلك، فإن هذه القوة الأفريقية عجزت عن القيام بمهمتها بكفاءة وذاك أمر اعترفت به قيادة الاتحاد الأفريقي نفسها، ومن هنا كان الحديث بين حلين هما دعم لوجستي متعدد الأوجه للقوة الأفريقية أو تدخل قوة أخرى، وواضح هنا أن الغرب يفضل الحل الأخير·
إن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أعلن بوضوح في اقتراحه المشار إليه أنه لابد من موافقة حكومة السودان على دخول قوات أخرى لأراضيها ولكن حكومة الخرطوم أعلنت بصوت عالي النبرات أنها لا توافق على دخول قوات غير القوات الأفريقية إلى أراضيها، وهناك أصوات لمسؤولين حكوميين ترى أن مثل ذلك التدخل (الأجنبي غير الأفريقي) سيكون بمثابة خرق لسيادة السودان وبداية لتدخل لن ينتهي قريباً، وهذه هي الآن نقطة الخلاف الجوهرية بين العاصمة السودانية ونيويورك وواشنطن وعدد آخر من العواصم الغربية·
وفي ذات السياق، فقد أعلن أن مجلس الأمن التابع للاتحاد الأفريقي يدرس الآن عدة خيارات من بينها أو على رأسها تسليم مهام قواته في دارفور إلى الأمم المتحدة بسبب عجز التمويل وعدم وفاء الشركاء بالتزاماتهم، وهو قول يشير إلى أن الأقرب هو ترحيب الاتحاد الأفريقي بتدخل الأمم المتحدة·
وفي ظل كل هذا، فإن السودان يستعد الآن لاستضافة قمة للاتحاد الأفريقي تعقد يوم غد الأحد الثاني والعشرين من يناير، وتستمر ليومين، ويكاد يكون مؤكداً أن هذه القمة ستبحث هذه الأزمة، إذ لا يبدو أن في القارة ما هو أكثر اشتعالاً مما يجري في دارفور·
وهنا قد يكون من نصيب السودان أن يلقى تأييداً أفريقياً لرفضه لتدخل قوات غير أفريقية، وإن كان الاحتمال الأقرب للواقع هو غير ذلك تماماً· إن الدبلوماسية السودانية تبذل جهداً واضحاً لاستمالة الأفارقة لموقفها ولكن نجاح ذلك المسعى قد لا يكون ناجحاً·
وخلاصة القول إن هذه هي أركان الأزمة أو الخلاف القائم الآن بين الخرطوم والعواصم القريبة ذات الفعالية وكذلك قيادة الاتحاد الأفريقي حول مشكلة دارفور الذي ما زال مئات الألوف من سكانه بين ناري اللجوء إلى خارج السودان أو التنقل داخل الإقليم بحثاً عن الأمان والاطمئنان أو بحثاً عن الطعام والعلاج· والأيام القليلة القادمة ستحسم الأمر بصورة ما، وإن كان الأغلب أن يكون عبر تدخل قوات غير أفريقية يقدرها العارفون بعشرين آلف رجل باستعدادات عسكرية لائقة·