على المستوى الأمني لم يكن يوم أمس في العراق يوما استثنائيا، فالحوادث والتفجيرات الإرهابية أصبحت مقررة على المدنيين الأبرياء، وأرقام الضحايا في بعض التفجيرات تزيد عشرات المرات على أعداد ضحايا الأمس· ولكن على المستوى السياسي كان الأمر مختلفا تماما، وكان اليوم استثنائيا بكل المقاييس·
فقد عززت نتائج الانتخابات النيابية العراقية في صورتها الرسمية النهائية كما أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فرضية الاتجاه نحو تشكيل حكومة توافق ووفاق وطني تنقل الخطاب السياسي في العراق من مرحلة التجاذب الحاد والاحتقان المتصاعد إلى مرحلة الحوار والالتفاف حول هدف واحد: وضع حد لمعاناة الشعب العراقي التي طالت·
نتائج الانتخابات التي تجسد إرادة العراقي البسيط الذي وضع كل أحلامه وآماله في صناديق الاقتراع، حسمت الاختيار، ولم يبق سوى الرضوخ لإرادته، لبدء مرحلة جديدة يبعث فيها عراق جديد· ففي ضوء ما أعلنته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لم تحصل أي من الكتل أو التجمعات السياسية على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من الانفراد بتشكيل أول حكومة دائمة منذ تحرير العراق من النظام الديكتاتوري الصدامي، وهو ما يفتح المجال للتحرك برغبة صادقة وشفافية حقيقية على طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية أو توافق وطني·
الحقيقة التي يعرفها كل السياسيين العراقيين هي أنه بإعلان نتائج الانتخابات النهائية يبدأ الاستحقاق الأكثر أهمية، استحقاق ما بعد الدستور والبرلمان وما بعد الحكومة أيضا، استحقاق إعادة بناء العراق الذي دمرته الحروب وحطمت معنويات أبنائه الاستهدافات الإرهابية· والحقيقة التي يعلمها جميع حكماء العراق وقادة تكتلاته السياسية أنه عندما تتباين الآراء وتختلف الأفكار فإن التحرك نحو نقاط التقاء يجب أن يكون هدفا مشتركا، وإن مواجهة أسباب الاختلاف مبكرا أفضل من تجاهلها وتركها تتراكم وتتفاقم لتصل إلى مرحلة الاحتقان مجددا·
أمام كل العراقيين فرصة ذهبية الآن لتوحيد الصفوف والتشبث بكل عوامل التوحد والاتفاق والابتعاد عن كل أسباب الاختلاف، حتى يتفرغوا لمواجهة الإرهاب البغيض وحتى يوجهوا كل الطاقات لإعادة صياغة الحلم العراقي الذي ضاع وسط أهوال المعاناة والدماء الذكية التي قدمها العراقيون ثمنا لهذه اللحظة، لحظة الوفاق على طريق المستقبل·