أحدث نجاح الإخوان المسلمين البرلماني في مصر، في أشرس انتخابات شهدتها مصر منذ ثورة ،1952 زوبعة سياسية وفكرية كبرى ستتدافع أمواجها ورياحها في مصر والمنطقة العربية لعدة أشهر قادمة· الصحافيون الذين قابلوا مرشد الإخوان خرجوا بانطباعات مختلفة، وهذا متوقع لكثرة ما في جعبة هذه الجماعة من تصريحات ومصطلحات وقدرة فذة على الجمع بين المتناقضات والأضداد· وقد رأينا عام 1990 كيف انقسمت اجتهادات ''الإخوان'' في مصر والأردن ودول الخليج حول كارثة الغزو، وكيف تكرر المشهد عام 2003 في حرب العراق، حيث عارضت الحركة في مصر تلك الحرب، ووقف ''الإخوان'' الأردنيون مع صدام، وعارضوا بشدة أي تفاهم مع النظام العراقي الجديد، فيما انخرط ''الإخوان'' العراقيون في العمل السياسي والانتخابات، بل ولعبوا دوراً إيجابياً نشطاً في هذا المجال رغم كل التهديدات· أحد الصحافيين المصريين الذين قابلوا المرشد كتب أنه''على الرغم من عمق ثقافة المرشد وخطابه الصارم غير المراوغ الذي يناهض الاستبداد ولا يراهن على الغير، أي الصفقات مع السلطة أو الدعم الخارجي استناداً إلى قواعد حقيقية له في الشارع، فإنني ومع نهاية اللقاء لم تتبدد مخاوفي من الدولة الدينية، ولم أتأثر بكلامه حول احترام الآخر، لأنه وضعه في سياق ثيوقراطي حاد، جعلني أخشى على نفسي كمدافع عن مدنية الدولة من حكم ''الإخوان''·
المفكر البارز هاشم صالح كتب بأن ''الإخوان يقطفون الآن ثمار الفشل الذريع الذي منيت به الحركات الأيديولوجية السابقة··· ولكني أعتقد أن مرحلة ازدهار شعبيتهم لن تدوم إلى الأبد· فـ''الإخوان المسلمون'' إذا لم يقوموا بالإصلاح الديني، لن يستطيعوا تقديم أي مشروع، ولهذا السبب فسوف يصطدمون بكل القوى الطامحة إلى الحداثة والحرية على المستوى الداخلي· كما وسيصطدمون بقوى العولمة الكونية''·
أما عن السؤال: لماذا تتحمس أميركا لمشاركة الحركات الإسلامية في حكم مصر وغيرها، حيث صرحت اليزابيث تشيني، كبيرة نواب وزارة الخارجية في 14-4-2005 أنها ''لا تستبعد فتح حوار مع أي فصيل سياسي إسلامي ما دام نشاطهم لا يتعارض مع المبادئ الأميركية الأساسية؟''· فيجيب صالح:''لكي يضرب الغرب الأوروبي- الأميركي عصفورين أو ثلاثة بحجر واحد، الأول هو تحجيم تيار بن لادن الذي يعتبر أكثر تطرفاً منهم وإن كان من نفس المعدن· والثاني هو إجبارهم على تجديد الفقه الإسلامي وكيفية فهمهم للدين عن طريق الاحتكاك بضراوة الواقع وتحمل المسؤولية· والثالث هو توسيع القاعدة الشعبية للأنظمة الحالية التي تقلصت قاعدتها بسبب الفساد إلى حد مخيف''·
ويستعرض د· شاكر النابلسي، عوامل نجاح ''الإخوان''، فلا يراه في البرنامج السياسي والاقتصادي الذي قدمه ''الإخوان''، ''وإنما نتيجة عدم قيام الحزب الوطني الحاكم بواجب التثقيف ''الجماهيري الديمقراطي والحداثي'' من خلال وسائل الإعلام، وترك الشارع لحركة ''الإخوان'' التي استغلت هذا الفراغ، وشحنته بخطابها ''العام الغامض وغير الواقعي، الذي يتلخص بأن الإسلام هو الحل، من دون أن نعرف كيف سيتم ذلك''·
ويرى عادل درويش أن حكومة الحزب الوطني قد ارتكبت في التسعينيات، 1990 وما بعدها، خطأ فادحاً بتقديم التنازلات للجماعات الإرهابية المتسألمة، ''بفرض رقابة على الفنون والتلفزيون والفكر تماشياً مع مطالبهم بـ''أسلمة'' المجتمع، خشية اتهامها- أي اتهام السلطة- بمعاداة الدين، أثناء معركة الأمن مع الجماعات الإرهابية، فمهد خطأ الحكومة الأرض للإخوان ورفع رموزهم ودعاتهم إلى مستوى لم يكونوا يحلمون به''· وعن أسباب صعود الإخوان يقول الكاتب المصري عماد جاد إن حركة الإخوان حركة اجتماعية واصلت العمل في الشارع ومع الجماهير، وكانت أسبق من الحكومة في الوصول إلى البسطاء وقدمت لهم خدمات بأسعار زهيدة وتولت أداء الوظائف الاجتماعية للدولة· ومع ذلك لابد أن يدرك الجميع أن نسبة المشاركة في مرحلتي الانتخابات راوحت بين 4 و25% فقط، وهناك من حصل على المقعد بأقل من 3 آلاف صوت في لجنة تضم عشرات الآلاف''· ولكن لماذا لم يصوت معظم المصريين؟ ولماذا اشترك الإخوان بكثافة؟ ''هناك أسباب تاريخية لعزوف المصريين عن التصويت منذ ثورة ،1952 منها جداول الانتخابات المتخمة بالأخطاء· لكن ذلك لا ينطبق على الإخوان، فهذه الجماعة الأيديولوجية حشدت كل قواها، وذهب إلى الانتخابات كل مؤيديها· وفي هذه الانتخابات، غابت- ترشيحاً وانتخاباً- قوى عدة في المجتمع المصري هي بالأساس القوى الديمقراطية والليبرالية والعلمانية· فهذه الشرائح التي حرمتها حكومات ''الحزب الوطني'' من أن تكون لها أحزاب سياسية حقيقية، لم تجد من يمثلها، بعدما نفرت من الحزب الذي أخذ من الديمقراطية كل ما هو شكلي· وغالب الظن أن النسبة الأكبر من هذه الشرائح لم تشارك في الانتخابات الأخيرة''· ولهذا يختتم جاد مقاله بالمطالبة بإعادة النظر في تشكيل لجنة شؤون الأحزاب، والسماح بتشكيل أحزاب مصرية جديدة، كبديل لـ''الأحزاب الورقية الحالية''·
ويتحدث كثير من المراق