أكدت الأعوام الأربعة والعشرون من حياة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، المقولة ''المُغرضة'' بأن المجلس ليس مجلس شعوب· وأن السياسة ومخرجاتها تُهيمن على غيرها من الموضوعات المهمة والتي تمس حياة المواطنين·
وطبقاً لدرجة حرارة ''ترمومتر'' السياسة ترتفع درجة حرارة القضايا والموضوعات الأخرى· ولقد تنبأت دول المجلس بعد انقضاء ثلاثة وعشرين عاماً من العمل المشترك، بأن الاقتصاد من أهم ملامح العمل المشترك، وكان لابد من الابتداء بالاقتصاد في مسيرة العمل المشترك، بدلاً من ''التوهان'' في دهاليز السياسة التي استهلكت أربعة وعشرين عاماً من حياة المجلس·
وبعد أن أحدثت وسائل الإعلام الحديثة العديد من مظاهر ''التغريب'' في بنية المجتمع الخليجي، رأى بعض الوزراء أن خطة التنمية الثقافية التي أقرها القادة قبل سنوات، لم يتحقق منها شيء، سوى مهرجانين عالميين والأسبوع المسرحي السنوي، وبعض الدورات المحدودة في مجال التنشيط الثقافي، وبعض المعارض، ومهرجان للأغنية واحد فقط! وتواجه دول المجلس اليوم حقيقة التنافر الإقليمي بفعل تعثر العمل المشترك في المجال الثقافي، وتشرذم الآراء فيما يتعلق بالشأن الإعلامي، لأن وسائل الإعلام، هي الناقل الأول للثقافة، حيث إن هذه الوسائل تبث مواد ''تغريبية'' بحكم التعويل على العولمة، وانتفاء الحدود، وحرية البث·
إن إيمان أبناء المنطقة بمجلس التعاون قد خبا عما كان عليه قبل عشرة أو خمسة عشر عاماً، وذلك لعوامل عديدة أهمها تباين المواقف السياسية، الأزمات بين بعض الدول الأعضاء، عدم الجدية في دعم المسيرة، القُطرية الضيقة، وعدم الإيمان بالمنظومة والتضحية بالقُطري من أجل المصلحة الإقليمية· ومن هنا تعثر الاتحاد الجمركي ثلاثة عشر عاماً، وتعثرت المفاوضات مع الجانب الأوروبي، ولم تتحقق المواطنة الخليجية·
وطبقاً لذلك ضعف الاهتمام بالجوانب الثقافية كونها تلتصق بهموم الشعوب لا الحكومات، وكون الثقافة -حسب المفهوم الخاطئ- مصدر قلق للحكومات· ولقد عُقدت ندوتان: الأولى في دولة الكويت عام ،1985 والثانية في الرياض عام 1986 بدعوة من مفكري وأدباء وكتاب دول المجلس، حيث أبرزت الندوتان المحددات الرئيسية للانطــلاق في معالجة مجالات العمل المشترك في المجال الثقافي· وأفرزت الندوتان خطة شاملة للتنمية الثقافية في دول المجلس، حيث أقر الخطة الاجتماع الأول للمسؤولين عن الثقافة عام 1986 وبالتالي أقرها المجلــــــس الأعلــــــى فـــــــــــــي الريـــــــــــــــــاض عـــــــام ·1987
ولسنا هنا بصدد التعرض لأهداف وآليات الخطة، فهي طموحة ورائعة، لكنها لم تتحقق إلا في حدودها الدنيا للأسباب التي ذكرناها آنفاً· ولقد رأت الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون أهمية الجانب الثقافي في مسيرة العمل المشترك، وتقدمت بمرئيات نحو تفعيل خطة التنمية الثقافية، وهو عمل تُشكر عليه، ومن المؤمل أن يلتئم اجتماع لبعض مفكري المنطقة لإعداد تصور جديد لتلك الخطة ليقدم إلى الوزراء المسؤولين عن الثقافة وبالتالي اعتمادها من قبل قادة المجلس· ولقد برز على سطح الأحداث كثير من المعوقات التي طالت مسيرة التنمية الثقافية، ما جعل المواطنين والمؤسسات الثقافية أكثر من يائسين من تفعيل العمل الثقافي، وهو محور مهم ومؤثر في مسيرة العمل المشترك، رغم تهميشه طوال الفترة الفائتة من عمر المجلس· وكان من أهم معوقات العمل الثقافي المشترك:
1- تفاوت الاهتمام بالشأن الثقافي في الدول ذاتها، فبقدر اهتمام هذه الدول بالشأن السياسي والاقتصادي والإعلامي، لا نجد ذلك الاهتمام بالمجال الثقافي·
2- ضعف النشاطات المشتركة ومحدوديتها نظراً لعدم وجود الميزانيات الملائمة للعمل الثقافي·
3- ارتباط العمل المشترك والتصاقه بالقرار السياسي· وهذا يجعل من المشاركة الثقافية مقرونة بالقرار السياسي·
4- وجود نظم رقابة صارمة في بعض الدول، ما يعيق تداول الإنتاج الثقافي، والتمسك الشديد بالقُطرية الضيقة، مما يُبهت الصورة الخليجية المشتركة·
5- عدم وجود مؤسسات ثقافية أهلية في بعض دول المجلس مثل اتحادات الكتاب والجمعيات الثقافية·
6- التنافس الموجود في اقتناء المواد الإعلامية وفشل مشاريع الشراء المشترك للورق والأعمال الإعلامية، ومنها الثقافية، ذلك أن كل دولة تحاول التميز·
7- ضعف أداء بعض القائمين على الشأن الثقافي في الدول، ذلك أنهم موظفون إداريون يوجههم الروتين اليومي، وهذا يبعدهم عن الشأن الإبداعي·
8- غياب المؤسسات الثقافية المشتركة، وعدم الاستفادة من المؤسسات القائمة في الدول، مثل: المجمع الثقافي في أبوظبي، أو مركز الدراسات الاستراتيجية، أو مركز الدراسات والبحوث بمملكة البحرين، وكذلك المجالس الثقافية في بقية الدول مثل قطر والكويت وغيرهما· وإذا كانت تلك المعوقات، فإن حال المشهد الثقافي الخليجي أكثر قتامة، وهذا يفتح المجال كي نقترح على الهيئة الاستشارية أو الندوة المقبلة لتأسيس أو تفعيل العمل الثقافي المشترك بين دول المجلس ما يلي:
1- إقرار ق