المحطة الماليزية في جولة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحالية في جنوب وشرق آسيا، تبدو مختلفة قياساً بالمحطتين الصينية والهندية سواء لجهة المغزى أو الأهداف· أحد الأسباب أن البلدين ظلا منذ تأسيس علاقاتهما الدبلوماسية في أوائل الستينيات يعيشان حالة انسجام وتوافق سياسي وبما انعكس إيجاباً على تعاونهما الثنائي في مختلف المجالات· حيث لم تلح في الأفق في أي فترة من الفترات بوادر خلافات أو أزمات ثنائية، بل حرصت كوالالمبور من جانبها على تفادي أي حدث قد يخفض درجة حرارة علاقاتها مع الرياض· ولعل أحد الأدلة في هذا السياق أنها فصلت رئيس تحرير صحيفة ''نيو ستريتس تايمز'' الماليزية واسعة الانتشار في عام 2003 لمجرد كتابته مقالاً ينتقد فيه السلطات السعودية لأنها - حسب كلامه - لم تلتزم بالحصة السنوية المقررة لعدد الحجاج الماليزيين·
وهكذا، فلئن كان هدف زيارة العاهل السعودي للعملاقين الصيني والهندي هو تأسيس نوع من أنواع الشراكة الاستراتيجية بعيدة المدى في مسائل النفط والغاز والتصنيع واحاطته بسياج من التفاهم السياسي الذي كان غائباً في الماضي أو متذبذباً، فإن زيارته إلى ماليزيا تهدف إلى الإضافة إلى ما هو قائم فعلاً من تعاون وتفاهم وانسجام، بمعنى تعزيزه وتوسيع آفاقه وتنويع معالمه مع هذا القطر الآسيوي المهم الذي يعتبر من مؤسسي منظمة المؤتمر الإسلامي، وإحدى دعاماتها الرئيسية وأول من قاد أمانتها العامة في شخص رئيس وزرائها الأسبق تنكو عبدالرحمن، بل الذي كان في مقدمة من رحبوا بفكرة التضامن الإسلامي، يوم أن طرحها العاهل السعودي الراحل فيصل بن عبدالعزيز في أواسط ستينيات القرن المنصرم·
والمعروف أن السعودية بدأت منذ عدة سنوات تولي اهتماماً خاصاً بالتعاون مع ماليزيا في عدد من المجالات الحيوية، لأكثر من سبب· من هذه الأسباب أن ماليزيا تمثل نموذجاً إسلامياً ناجحاً في التنمية والنهضة، إنْ لم تكن النموذج الإسلامي الناجح الوحيد، وأن مؤسساتها وشركاتها الاقتصادية أثبتت بما تراكم لديها من تجارب أنها صنو ومنافس قوي لمثيلاتها في الغرب، لجهة الإنجاز المحكم لما يوكل إليها من مشاريع· أضف إلى ذلك أن هذه الشركات، بسبب انتمائها إلى دولة إسلامية، تملك ميزة العمل في نطاق المناطق المقدسة التي يحظر على غير المسلمين دخولها·
وتسعى السعودية اليوم إلى توسعة مدى استفادتها من الخبرات الماليزية، ولا سيما في مجال التنمية البشرية وما يرتبط بها من تعليم وتدريب مهني وفني لقواها العاملة الوطنية، وهو المجال الذي حققت فيه ماليزيا نجاحاً مشهوداً وكان أحد أسباب تحولها إلى نمر آسيوي، ناهيك عن المجالات الأخرى كتقنية المعلومات والرعاية الصحية والإنشاءات الحديثة· ويأتي هذا في أعقاب نجاح تعاون الجانبين في السنوات القليلة الماضية في عدد محدود من الاستثمارات والمشروعات (مثل مشروعي بناء جامعة الفيصلية وإنشاء مدينة المال والأعمال في الرياض، ومشروع الشعيبة الضخم الخاص لتوليد الطاقة والمياه، ومشروع تحديث وتطوير أنظمة وإشارات المرور السعودية ووسائل مراقبتها) مما رفع حجم ما استثمره الماليزيون في المملكة إلى نحو 800 مليون دولار بحسب أرقام عام ·2004
أما ماليزيا فتسعى من جانبها إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات السعودية، معتمدة في ذلك على ما تتمتع به من استقرار سياسي وبنية تحتية عصرية وقوانين استثمارية منفتحة، فضلاً عن وجود العديد من الفرص المربحة فيها وامتلاكها لأدوات استثمارية تلائم المستثمرين السعوديين المحافظين مثل الصناديق ومحافظ السندات والأسهم المراعية لاشتراطات الشريعة الإسلامية·
وعلى الرغم من تدفق رؤوس الأموال السعودية نحو ماليزيا في السنوات الأخيرة للاستثمار في مجالات تقليدية مثل صناعة الأغذية والأقمشة والمنتجات الكهربائية والبلاستيكية، فإنها لم تتجاوز الخمسين مليون دولار· وهذا رقم صغير جداً، بل ويبقى ضئيلاً حتى لو أضيف إليه إجمالي ما استثمره بقية العرب في هذه البلاد التي استطاعت خلال العقد المنصرم وحده من جذب استثمارات أجنبية بقيمة 20 مليار دولار، جاء جلها من الولايات المتحدة وسنغافورة واليابان وألمانيا وبريطانيا· وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ورشة عمل كبرى استضافتها جدة قبل نحو عام تحت عنوان ''مجالات و فرص العمل والاستثمار بين ماليزيا والمملكة''، وشارك فيها أكثر من مئة من رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم الماليزيين تتقدمهم وزيرة التجارة والصناعة رفيدة عزيز· في هذه الورشة تطرقت الوزيرة الماليزية إلى اهتمام بلادها بجذب رؤوس الأموال السعودية للاستثمار تحديداً في الصناعات الغذائية، ولا سيما الأطعمة الحلال التي تحاول ماليزيا أن تكون مركزاً إقليميا رئيسياً لإنتاجها وتسويقها بالتعاون مع أستراليا القريبة منها نسبياً·
كما يسعى الماليزيون أيضاً إلى تعزيز روابطهم السياحية مع السعودية، خاصة وأن قطاع السياحة الماليزي بات يمثل مصدر جذب للأفراد والأسر السعودية، بدليل وصول عدد السي