فقدت دول الخليج العربية في عام 2005 وبداية عام 2006 ثلاثة من قادتها هم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والملك فهد بن عبد العزيز، والشيخ جابر الأحمد الصباح، إضافة إلى الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم··· انتقال السلطة في جميع الحالات كان طبيعياً وسلمياً حسب الأعراف والتقاليد الدستورية في كل بلد·
الحالة الكويتية الوحيدة هي التي واجهت إشكاليات يعود سببها إلى تردي الحالة الصحية لسمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح··· حيث طلبت الأسرة الحاكمة، وحسب الدستور الكويتي، تنحية الأمير للاعتبارات الصحية·
ما هو الدرس المستفاد من أزمة الحكم في الكويت لدول الخليج العربية، وهل ما حدث في الكويت يمكن أن يتكرر في أي دولة خليجية أخرى، وهل معالجة الأزمة تعد عامل قوة أو ضعف للنظام في الكويت؟ التجربة الكويتية في حل الأزمات من داخل الأسرة مثال يحتذى به لاعتبارات كثيرة، أهمها أن النظام الدستوري الكويتي أثبت فعاليته حيث يحدد الدستور الآليات السلمية في قانون توارث الإمارة، لذلك جاء الحل سلمياً حسب الأصول التقليدية والدستورية المتبعة بدون إغضاب أحد وبموافقة مطلقة من الأسرة الحاكمة ومجلس الأمة والشعب الكويتي·
ثانياً: أثبتت الأسرة الحاكمة قدرتها ومرونتها والتزامها بالدستور حتى في وقت الأزمات··· لذلك جاء اجتماع الأسرة الحاكمة في دار سلوى وقرروا حل المشكلة بدون زج مجلس الأمة طوال السبعة أيام الأولى للأزمة··· ومع أن أغلبية الأسرة الحاكمة بايعت الشيخ صباح أميراً للبلاد، إلا أنه فضل التريث حتى يحصل على تنازل من سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله، ولما فشل في كل مساعيه لحل الخلاف داخل الأسرة حتى آخر لحظة، تم تفعيل المواد الدستورية عن طريق مجلس الأمة، لذلك جاء حل الأزمة بطريقة التراضي والتوافق بعيداً عن الانشقاقات والتحالفات المتوقعة··· ويعود الفضل في ذلك لسمو الشيخ صباح الأحمد الذي حاول تفادي أي خلاف داخل الأسرة·
من أهم الإيجابيات في الأزمة هي المصداقية والشفافية للأسرة الحاكمة الكويتية··· لقد أثبتت الأسرة بأنها تريد شعبها وكل الشعوب العربية في المنطقة أن تعرف ماذا كان يدور من مفاوضات واتصالات لحل الأزمة من خلال الأسس الدستورية· لقد شاهد الجميع عبر محطات التلفزيون العالمية والعربية ما يحدث من حوار ومداولات واجتماعات··· فلم يتم عمل أي شيء بالسر على الطريقة العربية المعهودة حيث تخفي الأنظمة كل ما يتعلق بأمراض القادة وحالتهم الصحية عن شعوبهم· الفضائيات العربية والأجنبية نقلت وقائع ما يدور في الكويت قبل التلفزيون الحكومي الرسمي، وقد نقلت تلك الفضائيات على الهواء كل ما يدور في الكويت حتى أن إحداها نقلت ما يدور من حوار ونقاش في الجلسة السرية لمجلس الأمة مما يدل على قوة النظام الكويتي وانفتاحه على الخارج لثقته بنفسه·
الأزمة قربت الشعب الكويتي من أسرته الحاكمة أكثر من أي وقت مضى··· وهذا التلاحم بين الأسرة الحاكمة والشعب لم يحدث إلا مرتين··· المرة الأولى عندما تعرضت الكويت للغزو العراقي الغاشم عام ···1990 حيث رفض الشعب أي حكومة أخرى وأصر على التزامه بالشرعية الكويتية· الأزمة قربت الشعب الكويتي ليس فقط في دعمه لشرعيته··· بل إصرار الجميع على الالتزام بالدستور لحل كل المشاكل العالقة· ومن الطريف أن معظم العائلات والشعب الكويتي كانوا يحملون الدستور في جيوبهم وأصبح الجميع خبراء دستوريين، الكل يفتي بما يعتقد أنه صحيح حسب تفسيره للدستور·
تدخل الشعب الكويتي في شؤون أسرة الحكم واقع جديد فرضته الأزمة، حيث شارك الجميع ابتداءً من تجار ووجهاء البلد في النقابات والاتحادات والتنظيمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرهم في الاتصال بأفراد الأسرة الحاكمة وكبارها يدعونهم فيها لوحدة الكلمة والاتفاق· كما بادرت بعض الجماعات السياسية إلى إصدار بيانات تدعم الأسرة في تحركها··· لقد اعتقد الجميع في الكويت بأن بيت الحكم هو بيته، وهذا هو واقع الحال في الكويت اليوم·