لعل الحيرة هي الكلمة المناسبة لوصف ما يشعر به المراقبون والمستثمرون في أسواق الأسهم هذه الأيام، فكل العوامل والظروف تومئ إلى ارتفاع مرتقب، خاصة مع الأرباح المليارية التي تعلن عنها شركات المساهمة العامة يوماً تلو الآخر، لكن حركة الأسواق لا تسير وفق ما يشتهي المستثمرون· ويبدو أن الكثيرين من المتعاملين في الأسهم، الذين ينتظرون بلهفة وعلى أحر من الجمر عودة اللون الأخضر لشاشات التداول، ملوا وأصيبوا بالإحباط من سيطرة اللون الأحمر مع التراجع المستمر للأسهم، والذي التهم نسبة مقدرة من القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة تصل إلى أكثر من 32 مليار درهم منذ بداية العام الجاري· وعلى الرغم من أن العوامل العامة من حيث متانة الاقتصاد الوطني والنتائج الإيجابية للشركات والثقة بأداء الاقتصاد عامة، وأسواق المال في الدولة بشكل خاص، تعد من العوامل الإيجابية التي ينبغي أن تنعكس إيجاباً على أداء الأسواق، إلا أن الواقع غير ذلك بما يحمل على الاعتقاد بأن ثمة عوامل أخرى متعددة تسهم في تشكيل هذا الواقع الملموس·
بعض المحللين يرى أن أسواق الأسهم وصلت إلى مرحلة يتحكم فيها الآن ''قانون تناقص الغلة''، المأخوذ عن الاقتصاد الزراعي والذي يعني في الأدبيات الاقتصادية أن قطاعا ما يصل في مرحلة إلى تشبع لا يجدي معه زيادة الاستثمارات إذ يقل معدل العائد منها بعد التشبع كلما زادت الاستثمارات· وفي حين تكشف هذه النظرة عن رؤية متشائمة لا تتناسب مع المؤشرات العامة للاقتصاد، فإنها تبعث برسالة مهمة لعدد كبير من المتعاملين في سوق الأسهم، الذين يتوهمون إمكانية ''حصد'' أعلى معدلات من الأرباح في أقل فترة زمنية ممكنة لأنهم يتعاملون مع أسواق الأسهم كأنها ''لمسة ميداس'' التي تحول كل ما تمسه إلى ذهب!
من جهة أخرى، يشير بعض المحللين إلى أن نتائج الشركات القيادية لن تفلح في إيقاف تدهور السوق لأن المستثمرين يتوقعون الأرباح الضخمة، ولا يهتمون بالعائد على السهم والتوزيعات النقدية وأسهم المنحة، التي تقدمها الشركات بـ''كرم حاتمي'' بقدر اهتمامهم بالمضاربات السريعة، وتلك ''ثقافة سائدة'' بين المستثمرين تحتاج إلى تغيير· كما أن زيادة عدد وحجم المحافظ الاستثمارية الضخمة يعد من القضايا العاجلة لتقليل المخاطر، إذ تلعب المحافظ خاصة التابعة لبنوك وطنية دوراً محورياً في استقرار الأسواق وتشكل صماماً للأمان في أوقات الضرورة·
أما الأمر الخطير فعلاً فهو إشارة البعض إلى ''تسرب المعلومات''· وفي هذا السياق، ينبغي أن تشدد هيئة الأوراق المالية والسلع عقوباتها على أي شركة لا تلتزم بقواعد الإفصاح والشفافية، وتنشر ما تتخذه من إجراءات عقابية في وسائل الإعلام المختلفة للحفاظ على ثقة الأوساط المحلية والعالمية بأسواق الأسهم التي تعد جزءاً مهماً من الاقتصاد الوطني·