في كل الديمقراطيات لا يطرح الفوز بالأغلبية البرلمانية عبر صناديق الاقتراع أي معضلة، مادامت كل الأطراف تحترم قواعد اللعبة ،لكن فوز ''حماس'' بأغلبية كبيرة في الانتخابات الاخيرة يشكل استثناءً من هذه القاعدة·
لقد أحدث الناخب الفلسطيني انقلاباً ديمقراطياً عندما منح ''حماس'' فوزاً فاق جميع التوقعات، ومن بعد هذا الانتصار الكاسح أصبحت كل أطراف الصراع العربي- الإسرائيلي أمام كثير من المعضلات·
''حماس'' ذاتها باتت أمام معضلة الانتقال من حركة مقاومة ثورية معارضة إلى سلطة تمارس الحكم، ويتعين عليها أن تتغلب على صعوبات التعايش مع رئيس ''فتحاوي'' منتخب من الشعب الفلسطيني ومع إدارة وأجهزة أمن ''فتحاوية''، بقدر ما يفرض عليها الوضع الجديد استحقاقات دولية والتزامات تجاه اتفاقات لا تقرها أبرمت في أوسلو، ودولة لا تعترف بها وهي إسرائيل، التي تشكل قوة احتلال لمعظم الأراضي الفلسطينية، ولابد من التفاوض معها في مرحلة ما، في إطار العمل على حماية أمن الشعب الفلسطيني واسترداد حقوقه المشروعة·
معضلة أخرى تواجه باقي الفصائل الفلسطينية، على اختلاف توجهاتها وأيا كان حجمها، إذ سيكون لزاما عليها أن تتعامل مع ''حماس'' بوصفها ''سلطة'' وليست تنظيما من تنظيمات المقاومة، فهل يمكن أن تعي كل الفصائل بما فيها حركة ''حماس'' البون الشاسع بين الجلوس على مقاعد المعارضة غير البرلمانية والانتقال المفاجئ إلى كراسي الحكم ؟ وكيف يمكن تفادي الزج بالمؤسسة الأمنية الرسمية في أي خلافات تنظيمية، لأن ذلك إذا حدث سيؤدي إلى انهيار تلك المؤسسة، التي تحتاج ولا شك إلى الإصلاح والابتعاد عن لعبة الحسابات الحزبية ؟
و''فتح'' هي الأخرى أمام معضلة مواجهة ''انتفاضة الغضب'' من الهزيمة، وضرورات التغيير والإصلاح الجذري بطريقة ديمقراطية تحول دون حدوث انشقاقات محتملة تضعف دورها التاريخي على الساحة الفلسطينية·
ومع سقوط السلطة في أيدي ''حماس''، ضاقت الخيارات أمام إسرائيل لأنها لم تتوقع هذا الزلزال السياسي ولم تعد نفسها له، في حين أن هناك عددا كبيرا من قضايا الحياة اليومية التي تحتاج إلى نوع من التنسيق والتفاهم الإسرائيلي- الفلسطيني وإلى اتصالات رسمية منتظمة بين الجانبين· ولا يكفي لحل هذه المعضلة مجرد إعلان اسرائيل مقاطعة ''حماس'' وحشد الغرب ضدها لإجبارها على تغيير ميثاقها كي تعترف بإسرائيل وتنبذ العمل على تدميرها، فلن يكون هناك مناص في النهاية من التفاوض مع ''حماس'' في المستقبل، ولاتزال ماثلة في الأذهان تجربة إسرائيل في التفاوض مع منظمة التحرير قبل تغيير ميثاق المنظمة والاعتراف المتبادل·
وانتصار ''حماس'' يضع دولا عربية عديدة أمام مسؤوليات جديدة وخيارات صعبة·· مصر المعنية مباشرة بالصراع والشريك في ترتيبات غزة الأمنية، ولبنان الذي يحاول تسوية مشكلة سلاح المخيمات الفلسطينية على أراضيه، وسوريا التي تجمعها علاقات قوية بالحركة وهي تصطدم بضغوط دولية، وكل دولة يتعين عليها مساعدة الشعب الفلسطيني المناضل ناهيك عن الأطراف الغربية·
إننا أمام تجربة جديدة نأمل أن تسفر عن نتائج إيجابية من أجل الشعب الفلسطيني وحلمه في الدولة المستقلة