ركزت شبكة الـCNN الأميركية في تغطيتها لإحياء الذكرى الثانية لحوادث الحادي عشر من سبتمبر على قضية محاربة الإرهاب· وأبدى معظم الرسميين والمعلقين عزمهم على إقصاء الإرهاب ومحاربته بشتى الوسائل·
تزامنت تلك التغطية مع رسالة تلفزيونية جديدة لابن لادن والظواهري، قد يكون موعد بثها تذكيراً بما حدث في 11 سبتمبر، الأمر الذي أحدث ردة فعل قوية في الأوساط الأميركية، حيث أصدرت الإدارة الأميركية بياناً حذّر الناس من ضربات لـ القاعدة داخل وخارج الولايات المتحدة·
واستغل بعض الساسة الأميركيين مثل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد المناسبة المؤلمة كي ينوه بخطوتين مهمتين حققتهما الولايات المتحدة للقضاء على الإرهاب وهما دحر نظام طالبان والإطاحة بصدام حسين·
كما تزامن الحدث مع تطورات أمنية خطيرة في الأراضي العربية المحتلة، توّجها قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي بطرد عرفات زعيم السلطة الفلسطينية بعد أن ظل أسيراً لشهور عدة، واحتمال تصفيته جسدياً· ويأتي هذا القرار بعد ساعات من محاولة اغتيال الدكتور الزهار أحد رموز المقاومة ومقتل ابنه ومرافقه·
وكانت إسرائيل قد وضعت قائمة بأسماء المراد تصفيتهم، وتضمنت القائمة اسم السيد عرفات، و حسن نصر الله أمين سر حزب الله ، وبعض قادة حماس ، وقامت بالفعل بتنفيذ روح القائمة وقتلت المهندس اسماعيل أبوشنت مستخدمة الطائرات والصواريخ· وإثر استقالة أبومازن بعد فشل حكومته كما أشار في رسالة الاستقالة الخروج من المؤامرات والأحقاد وإهانة الحكومة ، يظهر إلى السطح الفسطيني أحمد قريع الذي وعد بحمل الأمانة كما يتطلب الموقف·
هذه التطورات لابد وأن تُلفت نظر الإدارة الأميركية إلى حقيقة ولبّ الإرهاب، لا أن تركز دوماً على حسابات رد الفعل وإن كان قوياً وجبروتياً· وهذه القضية تُدخلنا دوماً في دائرة الخلاف مع الولايات المتحدة· وأولى محطات هذا الخلاف هي رؤية وموقف الولايات المتحدة، من الصراع العربي-الإسرائيلي، وتحملها الإرث التاريخي لمساندة إسرائيل، مثلما فعلت بريطانيا عند وعد بلفور الذي قلب الموازين في الأراضي العربية، وأصبح المحتل صاحب أرض، وصار صاحب الأرض مهجّراً أو مقموعاً، حتى إذا ما رفع رأسه مطالباً بحقه الأساسي صار في قائمة الإرهاب·
ولئن كانت الولايات تُدين الإرهاب-وأظنها كذلك- ونحن معها ضد الاعتداءات التي حصلت في 11 سبتمبر، فإننا نتوقع أن تُدين، وبالحماس نفسه، قيام إسرائيل بهدم منازل الآمنين، وترويع وقتل الأطفال والنساء والشيوخ في عمليات حربية منظمة، تستخدم خلالها الآلة العسكرية الأميركية ومنها طائرات (16F)! هل يعتقد المسؤولون الأميركيون أنهم يزودون إسرائيل بمثل هذه الطائرات لهدم البيوت وقتل الأطفال؟وهل يرضى الرأي العام الأميركي على خطوات كهذه دونما إدانة أو امتعاض أميركي؟
إذاً، فإن رؤية الولايات المتحدة لهذا الصراع هي المحور الرئيسي لنشوء الخلاف أو الاختلافات بين الجماعات الإسلامية وبعض الدول التي ترى في الموقف الأميركي انحيازاً غير مبرر إلى إسرائيل، وبالتالي حدوث عمليات انتقامية تطال المدنيين·
الشاهد هنا، أن المتحدثين في ذكرى 11 سبتمبر ذكّروا الشعب الأميركي والعالم بالحرية والعدالة والسلام الذي يجب أن يعم العالم، فأين هذه المفاهيم الراقية من دولة -مثل إسرائيل- تدعمها الولايات المتحدة دونما حدود، وتبشر بديمقراطيتها وحبها للسلام؟ لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً في حوادث الاغتيالات التي طالت قادة فلسطينيين وأهلهم الآمنين، وتحدث باوتشر على مضض عن قرار إسرائيل طرد عرفات بأنه غير مفيد لعملية السلام، ودانت أكثر من دولة بما فيها الأمم المتحدة قرار إسرائيل، حتى وزير خارجية إسرائيل السابق بيريز انتقد القرار قائلاً: إن طرد عرفات سيكون خطأ جسيماً، وهو بذلك ينضم إلى مسؤولين إسرائيليين آخرين منهم رئيس الكنيست الأسبق والذي ردد أن شارون يشكل عقبة أمام السلام، وألقى باللائمة على إسرائيل وحكومتها لموجة العنف في المنطقة·
والسؤال: ماذا لو قامت دولة عربية بتهديد حياة رئيس دولة أفريقي؟ أو محاولة اغتياله؟ هل ستتردد الولايات المتحدة في دس أنفها في الحدث ترويجاً للمفاهيم الأميركية الراقية؟ أين ذلك مما جرى في الأراضي المحتلة؟
وإذا كانت الولايات المتحدة، تحت دعاوى تعقّب الإرهاب والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، والتي لم تثبت وجودها في العراق حتى الآن، استطاعت تغيير نظام دموي وحديدي ومخابراتي من الدرجة الأولى، فهل يصعب عليها لجم إسرائيل والضغط عليها -ولو برفق- من أجل تحقيق مبادئ العدالة والحرية الأميركية التي تعلنها في كل مناسبة؟ نحن لا نختلف مع الولايات المتحدة كونها تتحمل موقفاً أخلاقياً تجاه إسرائيل، وذلك من ملامح السيادة التي نرتضيها لكل بلدان العالم، ولكن من حق الشعوب كلها التمتع بالموقف الأخلاقي المذكور، هذا إذا ما صدقنا أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق العالم الفاضل كما سعى أفلاطون نحو مدينته·
الملمح الثاني لدائرة الاختلاف مع الولايات المتحدة هو أ