ليس هنالك شيء جديد في إعلان مجلس الوزراء الإسرائيلي قراره بـ إزالة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات باعتباره عقبة في طريق السلام الإسرائيلي-الفلسطيني·· ربما كان الأمر الجديد هو أن دولة متحضرة هي عضو في الأمم المتحدة، وهي في نظر الكثير من أصدقائها في العالم المتحضر واحة الديمقراطية والحرية في صحراء الشرق الأوسط القاحلة، تخرج علناً على العالم بقرار يتخذه مجلس وزرائها ويفسره نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرات: بأن من بين خيارات إسرائيل لإزاحة الرئيس عرفات قتله أو اغتياله·· بدون وضع حساب أو اعتبار لأبسط القيم والأعراف المتعارف عليها بين الدول المتحضرة وغير المتحضرة· نعم لا جديد في الأمر، فإسرائيل ظلت تقتل وتغتال القادة الفلسطينيين، والأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين منذ لحظة قيامها بقرار من الأمم المتحدة· لكن كل العمليات الإسرائيلية القذرة المسجلة والمعروفة في التاريخ، لم يكن يسبق أيها إعلان رسمي من مجلس الوزراء الإسرائيلي·· كانت الأجهزة الإسرائيلية الرهيبة تمارس اغتيالاتها وعملياتها القذرة على امتداد العالم تقريباً ضد الفلسطينيين، لا تراعي ولا تحسب حساباً للدول التي تمارس في أرضها عملياتها الإجرامية، ولكنها كانت بصورة أو أخرى لا تبدو على المسرح بمثل هذه الجسارة الوقحة التي ظهرت بها يوم السبت الماضي عندما أذاعت قرارها بإزاحة عرفات!! نعم ليس في الأمر جديد، فرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون قد اتخذ قراره منذ ديسمبر العام 2001 عندما أعلن أن عرفات لم يعد ذا موضوع ، وأن إسرائيل لن تتعامل معه كرئيس للسلطة الفلسطينية، وأتبع قراره ذلك بضرب مقره في رام الله بالطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة، وفرض عليه حصاراً هو كالسجن تماماً منذ ثمانية عشر شهراً·· وعلى رغم استهجان واستنكار كثير من دول العالم غير العربي وغير الإسلامي لموقف إسرائيل من رئيس الدولة الفلسطينية المنتخب ديمقراطياً وشرعياً وتاريخياً، فإن شارون وجد في إدارة الرئيس بوش مؤيداً وحليفاً تطابق موقفه من الرئيس عرفات مع موقفه·· وكانت كل التطورات اللاحقة لديسمبر 2001 تشير وتؤكد أن موقف شارون هذا سيتصاعد وسيصل إلى هذه الهوة العميقة التي ستقبر تحت أنقاضها خريطة الطريق إلى السلام، لأن ما تريده إسرائيل حقيقة ليس سلاماً بينها وبين الفلسطينيين، يكون سلاماً قائماً على العدل ورد الحقوق·· ما تريده إسرائيل شارون هو سلام يحقق لها هي كل شيء بفرض القوة والإملاء على الفلسطينيين والعرب أجمعين، ويحرم الفلسطينيين حتى من حق الأمل في المستقبل وفي الكرامة والأمن والحلم بدولة فلسطينية يستظل بها الفلسطينيون!! والرئيس عرفات في كل هذا يمثل الرمز الفلسطيني والتعبير الحقيقي عن النضال الفلسطيني المستمر تاريخياً، والذي سيظل وجوده -مجرد وجوده- يؤرق إسرائيل وشارون·· فإزاحة عرفات بقتله وتصفيته هي في تصور شارون التصفية النهائية لكل ما يمثله الرمز الفلسطيني·· ويعلم مجلس الوزراء الإسرائيلي المخاطر المحيطة باتخاذه خطوة إجرامية نهائية كهذه الخطوة لاختيارها كما قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي· لكن في كل هذا الأمر ثمة خطأ إسرائيلي شنيع، فشارون يعتقد أنه بإزالة عرفات، وبالقبضة الحديدية الإسرائيلية سيفرض على الفلسطينيين شروطه ويحقق سياسته وأهدافها المعلنة· شارون الذي اعتبر منذ البداية أن طريق أوسلو طريق فاشل، يعرف اليوم أن طريقه أشد بؤساً وفشلاً من أوسلو·· وأن قبضته الحديدية لن تزيد الفلسطينيين إلا صلابة وتمسكاً بحقوقهم التي أقرها المجتمع الدولي·· وأن العنف والإرهاب الإسرائيلي، لن يقابل بالاستسلام الفلسطيني قتل عرفات أم لم يقتل!!