تتسبب الأخطاء الطبية في إلحاق الضرر بحوالي 1.5 مليون شخص ووفاة مئات الآلاف من الأشخاص كل سنة في الولايات المتحدة بتكلفة إجمالية تصل إلى 3.5 مليار دولار في السنة الواحدة، وذلك حسب ما خلص إليه تقرير أصدره المعهد الطبي الأميركي قبل بضعة أيام. وقد أصبحت الأخطاء الطبية شائعة إلى درجة يتوقع معها أن يعاني المرضى في المستشفيات من واحدة من تلك الحالات في كل يوم يمكثون فيه داخل المستشفى، رغم أن معدل الأخطاء الطبية يختلف من مستشفى لآخر كما أن معظمها لا يؤدي إلى أضرار صحية بالغة. ولعل الحادثة الأبرز التي ساقها التقرير الموسوم "من أجل تفادي الأخطاء الطبية" حالة وفاة بيتسي لهمان التي تبلغ 39 عاما وأم لطفلين كأحد الأمثلة التقليدية على وقوع خطأ في وصف الدواء المناسب كانت له نتائج كارثية على حياة الصحفية في جريدة "بوسطن جلوب" للشؤون الصحية. فقد توفيت "بيتسي" سنة 1993 بعد وصفة طبية خاطئة شملت جرعات عالية من عقار كان يفترض أن يشفي سرطان الثدي الذي كانت تعاني منه. وقد أوصى التقرير على ضرورة إدخال الإصلاحات اللازمة على طريقة وصف الدواء لتفادي تكرار حالات مماثلة مثل وصف الدواء إلكترونياً، واصطحاب المرضى قائمة الدواء الذي يتناولونه كلما زاروا أحد الأطباء. وقد أبدت العديد من الجهات الطبية تفاجؤها من الأرقام المخيفة التي قدمها التقرير فيما يتعلق بالأخطاء الطبية، حيث قال "لايل بوتمان" عميد كلية الصيدلة في جامعة "أريزونا" الأميركية: "لقد تفاجأنا حقاً بمعدل الأخطاء الطبية التي أشار إليها التقرير"، مضيفاً أن "الحلول المقترحة معقدة وشاملة وستواجه العديد من التحديات قبل التمكن من تطبيقها". ويعتبر التقرير الذي تعده إحدى المؤسسات الطبية المرموقة في أميركا والمعنية بالاستشارات الصحية، هو الرابع من نوعه في سلسلة من التقارير السابقة التي تلفت الانتباه إلى الأعباء الصحية والمالية المترتبة عن الأخطاء الطبية. وقد أثار التقرير الأول تحت عنوان: "البشر خطاؤون" موجة عارمة من الجدل بسبب الرقم المرتفع لضحايا الأخطاء الطبية التي أشار إليها، حيث سجل وجود ما لا يقل عن 98 ألف قتيل في السنة الواحدة ليفوق بذلك عدد القتلى في حوادث السير وسرطان الثدي مجتمعين. ورغم تعهد المسؤولين الطبيين والمستشفيات بإدخال الإصلاحات الضرورية على المنظومة الطبية لتلافي تكرار حالات الأخطاء الطبية القاتلة، فإن التقدم على أرض الواقع مازال بطيئاً لا يرقى إلى حجم التحديات المحدقة بحياة المواطنين. فمازالت معظم المستشفيات الأميركية تعتمد الأسلوب التقليدي في وصف الدواء الذي يضاعف من احتمال وقوع الأخطاء، بدل النظام الإلكتروني الذي أوصى به التقرير. وفي هذا السياق يؤكد "تشارلز إينلاندر"، رئيس إحدى الجمعيات الطبية ومهتم بقضية الأخطاء الطبية أن عدد المستشفيات الأميركية التي اعتمدت الأسلوب الإلكتروني في وصف الدواء لا يتعدى 6% في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية. ويُشار إلى أن السجلات الإلكترونية للمرضى تساعد في التقليص من احتمالات تلقي تركيبة سامة من الأدوية قد تقضي على حياة المريض. وبسبب الطابع المستعجل للموضوع على ضوء العدد المرتفع لضحايا الأخطاء الطبية جدد التقرير الأخير تشديده على ضرورة تعميم السجلات الإلكترونية في جميع المستشفيات بحلول 2010 والتخلص نهائياً من الأساليب العتيقة. ويحذر "هنري مناسي"، المدير التنفيذي لجمعية الصيادلة الأميركيين من أن 3% فقط من المستشفيات الأميركية أدخلت نظام السجلات الإلكترونية، بحيث لا يوجد سوى عدد قليل من المستشفيات تصف الدواء إلكترونياً، مشيراً إلى الجهد الكبير الذي يتعين على الدوائر الصحية الأميركية بذله لتطبيق توصيات التقرير. وإزاء هذه الانتقادات التي وجهت إلى السلطات الطبية سارعت هذه الأخيرة إلى نفي تهمة التقصير فيما يتعلق باعتماد السجلات الإلكترونية، أو باقي الأساليب التي تضمنتها التقارير المتخصصة. وفي هذا الإطار أكدت "أليسيا ميتشل"، المتحدثة باسم جمعية المستشفيات الأميركية بأن جميع المرافق الصحية "تعمل منذ 1999 على إدراج تكنولوجيا المعلومات ضمن أساليب وصف العلاج كجزء من جهوها الرامية إلى تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة إلى المرضى". وفي استطلاع للرأي أجرته الجمعية الأميركية للمستشفيات التي تنتمي إليها "ميتشل تبين" أنه حوالي 92% من المشافي مستعدة لتبني السجلات الإلكترونية لولا أن هذه الأخيرة أثبت تعقيدها وبالتالي حاجتها إلى بعض الوقت لإدخالها إلى المستشفيات. وقد حث التقرير الذي أصدره "المعهد الطبي الأميركي" إدارة العقاقير والغذاء على تحسين وتوحيد المطويات التي تتضمن إرشادات حول الأدوية قبل توزيعها على المرضى، مشيراً إلى أن المعلومات الغامضة والملتبسة التي تكتب على ملصقات الدواء تعد أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الخطأ في وصف العلاج. وضمن جهودها للتقليل من الأخطاء الطبية وتفادي تضرر المزيد من المرضى بسبب الدواء غير المناسب استكملت وكالة الأدوية الأميركية في الآونة الأخيرة عملية دامت سنة كاملة لإصدار إرشادات تتوخى إصلاح المطويات التي تحوي معلومات عن الدواء، لا سيما وأن العديد من تلك المطويات لا تخضع لمراقبة إدارة العقاقير والغذاء المكلفة بضبط إرشادات الدواء في أميركا. لكن يبقى أهم ما أشار إليه تقرير "المعهد الطبي الأميركي" هو ضرورة الحد من الممارسة الشائعة في الولايات المتحدة حيث تقوم شركات الأدوية بتزويد الأطباء بعينات مجانية من الأدوية التي تنتجها كجزء ترويجها لمنتجها نظراً للمراقبة الضعيفة التي تخضع لها تلك الأدوية. جاردينر هاريس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"