د· عبدالله جمعة الحاج
المستشار الثقافي بسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة - واشنطن
تشير التقارير الواردة من مختلف مناطق أفغانستان إلى أن الهند وباكستان تخوضان حرباً باردة خفية هناك· وبالتأكيد فإن كلا البلدين ينفيان ذلك، ويقول كل منهما إن ما يقوم به في أفغانستان يأتي في سياق تقديم المساعدات الإنسانية لهذا البلد الذي دمرته الحروب منذ الغزو السوفيتي له· وبالطبع فإن تلك الحرب الباردة لا تدرك من قبل الناظر العادي إلى الأوضاع، ولكن المحللين السياسيين والمراقبين والعارفين ببواطن الشؤون الأفغانية يشيرون إليها بوضوح ويؤكدون وجودها·
وفي الجزء الأعظم يتم النظر إلى الاختلاف الهندي-الباكستاني الخاص بأفغانستان بطرق معتدلة على أساس أنه ليس خطيراً في هذه المرحلة· ولكن السلطات الأفغانية والدبلوماسيين والمراقبين الغربيين المتواجدين في أفغانستان يحذرون من امكانية أن يتحول هذا الصراع الهادئ إلى شيء خطير في المستقبل إذا ما استمرت وتيرته العدائية في التصاعد· وهذا التوجس ذو مصداقية، فعلى الصعيد الواقعي تتبادل الهند وباكستان الاتهامات العدائية، وتقول كل منهما إن الأخرى تمارس العنف والإرهاب ضدها، خاصة في أعقاب الهجمة بالقنابل اليدوية التي تعرضت لها القنصلية الهندية في جلال أباد مؤخراً·
ومن المعروف أن لدى الهند وباكستان تواجداً استخباراتياً في أفغانستان، ولكن المهم في الأمر هو الهدف من وراء ذلك التواجد· فإذا كان الأمر يتعلق بمجرد جمع المعلومات الاستخباراتية فإن الأمر هين، ولكن إذا كان ذلك الوجود يتعلق بتنفيذ عمليات استخباراتية خاصة فإن الأمر مختلف وينذر بالخطر·
ويجد الأفغانيون أنفسهم عاجزين عن مواجهة هذا النوع من المشكلات والتصدي لها بحزم خوفاً من إغضاب الأطراف المعنية، فعلى ضوء الضعف السياسي والأمني والاقتصادي الذي تواجهه الحكومة الانتقالية الحالية فإنها تعترف صراحة بأنها لا تستطيع القيام بأعمال مؤثرة تحد من ظاهرة تصارع أصدقائها على أرضها، وقيامهم بتمويل حروب بالإنابة تخوضها القبائل الأفغانية· وإذا ما صحت التكهنات الخاصة بهذا الاتجاه،فإن الحكومة الأفغانية ستجد نفسها تواجه مشكلة عويصة جديدة بالإضافة إلى مشكلاتها القائمة·
ومع وجود أعداء لها تراكم عددهم على مر السنين، فإن أفغانستان تنظر في هذه المرحلة إلى تكوين مجموعة أصدقاء حقيقيين تستند إليهم وقت الحاجة· وتشكل كل من الهند وباكستان عناصر جيدة لإقامة صداقات قوية معها· وفي هذا السياق فإنه من الناحية الرسمية على الأقل تبقى كل من الهند وباكستان والولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران وألمانيا وبريطانيا ودول الخليج العربية بشكل ثابت على قائمة الأصدقاء المفضلين لأفغانستان·
وبالتأكيد فإن كلا من الهند وباكستان تعلمان جيداً أنه ليس في استطاعة السلطات الأفغانية أن تسمح لهما بإدارة صراعاتهما ضمن حدودها الإقليمية· ويرى بعض المسؤولين الأفغانيين أنه للوهلة الأولى يبدو الصراع الهندي-الباكستاني على أرض أفغانستان بأنه غير ضار، بل قد يكون مفيداً بطريقة ما، فالتنافس بين البلدين على مشروعات إعادة الإعمار يجعل كلا منهما سباقاً إلى تقديم أفضل ما لديه لتنفيذ تلك المشروعات بصورة مرضية يكسب من خلالها ثقة الأفغان· إن كلا الطرفين يتبادلان الاتهامات ويرى كل منهما الآخر يمارس العنف والإرهاب ضد مصالحه· فتقول باكستان إن الهند تهاجم مصالحها الحيوية، وتقوم باستئجار عناصر أفغانية لتنفيذ ذلك، ويقول مسؤولون باكستانيون إن نشاطات الهند في أفغانستان ليس لها علاقة بتقديم المعونات الإنسانية، بقدر ما هي نشاطات تقوم بها أجهزة الاستخبارات الهندية لتحقيق أهداف تتعلق بالإضرار بالأمن القومي الباكستاني·
وتقول السلطات الباكستانية إنها حريصة على عودة الاستقرار إلى أفغانستان، وما يحدث فيها من قلاقل يضر بمصالحها· يرد عليهم الهنود بأنه لا مصلحة لهم في ذلك وأن كل ما يقومون به يتعلق برغبتهم الصادقة في مساعدة الأفغانيين على إعادة إعمار بلادهم بالسرعة الممكنة، ويتهمون باكستان بأنها هي التي تقف وراء الهجمات والتفجيرات التي تتعرض لها مصالحهم وقنصلياتهم في شتى أرجاء أفغانستان· وعلى ضوء هذه الاتهامات المتبادلة تشير بعض المصادر المستقلة إلى أن ما تقوم به الهند في أفغانستان في هذه المرحلة يتسم بواقعية وفائدة مباشرة للشعب الأفغاني، ففي الوقت الذي تقوم فيه السفارة الباكستانية والقنصليات التابعة لها بالتركيز على إصدار التأشيرات للأفغانيين للسفر إلى باكستان لزيارة ذويهم اللاجئين هناك، يلاحظ أن ما تقوم به السفارة الهندية والقنصليات التابعة لها أكثر عملية وواقعية ويخدم الهدف الأفغاني بعيد المدى في إعادة الإعمار· ولا شك أن هذه الحالة تحرج باكستان كثيراً وتجعلها تطلق دعاية سياسية مكثفة تزيد من تأجيج الحرب الباردة بين الطرفين·