ما الذي سيحدث فيما لو سلكت اثنتا عشرة نجيمة من النجيمات الصغيرة، طريقاً يودي بها للاصطدام بالأرض؟ وماذا لو أمكن لنا تغيير مسارها هذا، نتيجة لتضافر جهودنا وطاقاتنا كبشر؟ وماذا لو أثبت العلم والتاريخ كفاءتنا وأهليتنا للقيام بدور بطولي كهذا؟ ثم أخيراً، ما الذي يكلفه بدؤنا القيام بدور بطولي كهذا؟ في الإجابة عن هذه الأسئلة مجتمعة، بقي لنا أن نقول إن العالم البريطاني البارز، "جون شلينبير"، والذي يعمل مستشاراً علمياً بـ"مركز تنديل لأبحاث التغير المناخي" في بريطانيا، حدد 12 نقطة يبدأ منها خطر الاحتباس الحراري. وتشمل هذه النقاط ظواهر مثل ذوبان الجليد في غابات الأمازون المطرية، وذوبان الطبقات الجليدية في قارة القطب الجنوبي المتجمد على سبيل المثال. فإذا ما حدثت أي من هذه الظواهر كما يقول، فإن التغيرات المناخية الكارثية المفاجئة التي ستطال الكرة الأرضية بأسرها، لن تكون أقل خطراً ولا دماراً من ارتطام أي نجيمة من النجيمات الصغيرة بسطحها. ولما كانت تلك هي الحقيقة العارية التي لا مراء فيها، فما الذي يؤخر بدءنا القيام بما يجب القيام به، لتفادي هذه الكارثة التي تعد الأكثر خطراً وتهديداً لأمننا القومي؟ لقد أظهرت دراسة للرأي العام الأميركي حول مفهوم واهتمام الأميركيين بظاهرة التغير المناخي، كانت قد أجريت في عام 2005، أن عامة المواطنين يبدون اهتماماً وقلقاً إزاء الظاهرة، إلا أن نسبة تقدر بنحو 68 في المئة ممن شملهم الاستطلاع، لا تزال تعتقد أنها مشكلة تواجه شعوب الدول البعيدة عنا، أو أن آثارها المدمرة تقتصر على ظواهر الطبيعة الأخرى غير الإنسانية، وهو بالطبع مفهوم جد مضلل وخطير. وبين جميع الذين استطلعت آراؤهم، لا تتجاوز نسبة من يعتقدون أن الظاهرة تشكل خطراً مباشراً عليهم وعلى أسرهم ومجتمعاتهم، نسبة 13 في المئة فحسب! وبالنتيجة فما أكثر الذين ينظرون إلى معضلة الإحماء الشامل، باعتبارها معضلة لا حل لها، ولذلك فإنهم يميلون للانكفاء على ذواتهم، دون الانشغال بما تسببه خارج المحيط العائلي أو الشخصي الضيق. ولكن الحقيقة أنه في مقدورنا تغيير أنفسنا وسلوكنا باتخاذ عدد من الخطوات والتدابير العاجلة، بما فيها كسر هذا الصمت والميل إلى الشعور بالطمأنينة الفردية الزائفة، رغم جدية الخطر المحدق بنا. ولنذكر أنه كان في اعتقاد الكثيرين منا، أن البشر قد ولدوا بيضاً وسوداً، معزولين عن بعضهم بعضاً ولا شيء يجمع بينهم البتة، قبل نحو أربعين عاماً خلت فحسب. وقبل ثلاثين عاماً، قسمت الطبيعة البشرية النساء والرجال إلى أنماط اقتصادية منفصلة تمام الانفصال عن بعضها بعضاً. وقبل 20 عاماً فحسب، منعتنا هذه الطبيعة البشرية من التصدي لخطر مأزق نووي كان محدقاً بحياتنا جميعاً. واليوم ها أنت ترانا نلوم طبيعتنا البشرية على عجزنا عن التصدي لخطر الإحماء الشامل، الذي ساد اعتقاد الكثيرين منا باستحالة مواجهته وهزيمته. وفيما لو علمنا جيداً مدى الخطر الذي يشكله الاحتباس الحراري لمجتمعاتنا، ولشتى الكائنات الطبيعية المحيطة بنا في الجوار القريب، لصرنا أكثر استعداداً للتخلي عن سيارات "الهامر" وغيرها، وأبدينا ميلاً جديداً لم نألفه لتبني الخيارات المستدامة والأكثر حفاظاً على سلامة البيئة. ولو أنه تم تثقيفنا حول هذا الخطر بما يكفي، لمضينا بجدية أكبر لاختيار البدائل التي لا تهدد حياة ومستقبل أطفالنا وأجيالنا القادمة، على نحو ما يفعل الإحماء الشامل. لكن وإلى أن تحين لحظة التثقيف المنذر بالكارثة هذه، فها نحن نراوح في مراوغتنا وتهربنا من مواجهة المسؤولية. وليس من مثال أفضل على هذا من مداراة الكونجرس لالتزاماته ومسؤولياته إزاء خطر الإحماء الشامل، بعجز ولا فاعلية بعض أعضائه ممن لا يأبهون للخطر أصلاً. ولكن لمَ هذا التهرب، وعلى من نلقي باللوم في هذا القصور؟ ليست الصحافة بأية حال. فلا يكاد يمر يوم واحد تقريباً، إلا وتنشر وتبث فيه وسائل الإعلام عشرات القصص والتقارير الإخبارية عن الإحماء الشامل. ولكن المشكلة أن هذا البث المكثف، عادة ما يقابل بالاستجابة التقليدية القائمة على اعتقاد "لقد سمعنا بهذا من قبل". ومما لاشك فيه أن في تراكم المعلومات العلمية المتخصصة عن الظاهرة، ما يرفع درجة الوعي بمدى جديتها وخطورتها، إلا أن هذه المعلومات لا تجد طريقها إلى الجمهور على النحو المطلوب، مما يعزز العجز العام إزاء مواجهة خطر التغير المناخي. وفي وسع القادة السياسيين تقديم يد المساعدة في تخطي هذا العجز بالطبع، غير أنه في مقدورنا المضي قدماً في جهودنا، دون أن نكون رهناً لمساعدتهم. وعندما يقول الرئيس الأميركي بوش إنه يتعذر علينا اتخاذ إجراءات متكاملة إزاء الإحماء الشامل، بدون فهمنا التام للمشكلة، فإنه في وسعنا أن نتخذ من تجاهله هذا للظاهرة وتخاذله عنها، منطلقاً حافزاً لجهودنا ومبادراتنا نحن. وما هو إيجابي في تاريخ المجتمع البشري، أنه يؤكد لنا قدرة البشر على تغيير سلوكهم، وبمعدل أسرع مما يتصورون. كما يبين التاريخ أنه وما أن نتطلع إلى عالم أفضل، حتى نبدأ بمسيرة الزحف الجماعي نحوه، وهذا ما يجب علينا فعله الآن. جوليا ويتي ــــــــــــــــــ كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون العلمية ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"