تنظيم سوق العمل
من المعروف أن لقاءات وزير العمل، الدكتور علي الكعبي، مع العديد من سفراء الدول المصدرة للعمالة للإمارات تهدف بالدرجة الأولى إلى تنظيم ملف استقدام العمالة الوافدة من تلك الدول، كما ترمي إلى سد الثغرات التي استغلها الكثير من المحتالين، نتيجة لجهل العامل لحقوقه التعاقدية، بعد أن تكررت صور الخروقات من عصابات بيع الوهم للعمالة الوافدة مقابل مبالغ كبيرة، ولكن بعد أن يصل العامل إلى الدولة يكتشف أنه كان "ضحية" لعملية نصب واحتيال، في حين تتكبد دولة الإمارات آلام هذه الجرائم والاحتيالات وتدفع فاتورتها من سمعتها وصورتها الذهنية ومكانتها الدولية، جراء ما تسببه هذه الممارسات السيئة من انتقادات للدولة في تقارير المنظمات الدولية المتخصصة.
ومن بين الإجراءات المعلن عنها لتنظيم إجراءات الاستقطاب الخارجي؛ إنشاء شركات في الدول المصدرة، أو تخصيص جهات محددة موحدة معنية بتصدير العمالة إلى دولة الإمارات ومتصلة عبر الربط الإلكتروني بوزارة العمل في الدولة، بحيث تصبح هذه الشركات والمنافذ الحكومية الخارجية بوابات العبور الوحيدة للتعاقد وتقنين هذه العملية والسيطرة على منافذها، بدلاً مما هو حاصل الآن من فوضى يسيء الكثيرون استغلالها. وتشمل جهود وزارة العمل أيضاً البحث في تدريب العمالة الوافدة مستقبلاً على العادات والتقاليد والقيم الثقافية السائدة في دولة الإمارات، كي تضمن أكبر قدر ممكن من التفاعل الإيجابي بين الوافد الجديد وبيئة العمل في الدولة، الأمر الذي يعني أن خطوات وزارة العمل تسير بالاتجاه الصحيح نحو السيطرة على حالة الفوضى التي يعانيها سوق العمل في الدولة؛ لأن كثيراً من المخالفات والتجاوزات تحدث جراء جهل العامل بواجباته التعاقدية وحقوقه.
وما يلفت الانتباه في خطوات وزارة العمل هو تركيزها على إنشاء شركات في الدول المصدرة للعمالة، مع أن الأمر يقتضي استكمال منظومة التخطيط بتوحيد جهة الاستقدام في الدولة أيضا عبر تنفيذ ما سبق أن تحدثت عنه الوزارة بشأن إنشاء شركة وطنية متخصصة، لاستقطاب العمالة على المستوى الاتحادي بدلا من طوفان شركات جلب العمالة القائم حاليا.
الواضح أن الخروقات العمالية في مسألة الاستقدام لا تتم فقط في مكاتب خارجية ولكن هناك أطرافا في الداخل تمارس الدور ذاته وتتاجر بالتأشيرات وتلعب دورا مسيئا موازيا لتجار الخارج، وبالتالي ينبغي إغلاق هذه الثغرات من أجل ضمان نجاح الخطط المستقبلية وفتح صفحة جديدة في ملف الاستقطاب الخارجي للعمالة.
إن إنشاء شركة وطنية متخصصة في جلب العمالة والتعاقد مع الجهات الخارجية لا يعني فقط السيطرة على الإجراءات التنظيمية وضمان القضاء على التلاعب وتجارة التأشيرات، بل يعني أيضا ضمان الجدية في عمل الجهات الخارجية المختصة بالتعاقد والحيلولة دون فتح قنوات اتصال بين المكاتب الحالية في الدولة، بعيوبها وممارساتها السلبية المعروفة، وبين هذه الجهات، كما يعني أيضا توفير بوابة معلوماتية مطلوبة وبإلحاح لصانعي القرار حول أعداد العمالة الوافدة وتخصصاتها وجنسياتها وضمان السيطرة على تدفق الموجات البشرية وتوفير عمالة نوعية للسوق المحلية.
المؤشرات تؤكد أن خطط تنظيم سوق العمل المحلية بالاتجاه الصحيح، خصوصا في ظل اقتراب صدور قانون العمل الجديد، ولكن هناك حاجة إلى استكمال ما يجري تنفيذه من خطط في الخارج عبر آليات داخلية موازية تضمن فاعلية الإجراءات المستقبلية وتوحد المرجعيات وتقضي على الفوضى وتجارة التأشيرات داخليا وخارجيا.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية