الصومال في أزمتها الراهنة لمن تلجأ؟ هي مشتتة بين أكثر من بعد فهي عربياً تنتمي إلى الجامعة العربية التي خرج أمينها العام من جولاته المكوكية في لبنان ببضاعة مزجاة مملوءة بالتشاؤل، ولم يخرج من الأزمة الصومالية حتى بخفي حنين. وإسلامياً فهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي التي لم تكن لها يد في وقف هذا النزيف الذي استمر في الصومال ولازال قرابة عقد نصف من عمر الحروب الطاحنة التي طحنت الثروة البشرية والحيوانية في آن واحد. أما أفريقياً فإنها جزء لصيق من الاتحاد الأفريقي الذي لا يملك صلاحية حل نفسه، فضلاً عن إصدار قرار بإخراج أثيوبيا من المستنقع الصومالي الذي أذاق أميركا أسواطاً من العذاب لم تقل أثراً عما لحق بها في فيتنام. وإقليمياً فهي من أقرب الجيران إلى أثيوبيا التي تعتبر من ألد أعدائها السياسيين طوال الفترة الماضية من عمر الدولة الصومالية، وجاءت اليوم بجيوشها الجرارة من أجل تثبيت أركان حكومة المنفى في عمق الأراضي الصومالية التي تقاسمتها في فترة عصيبة من أزمتها الخانقة سبع حكومات في آنٍ واحد، فمن حكومة في الجنوب وأخرى في الشمال والوسط وغيرها في المنفى حتى جاء دور حكومة "المحاكم الإسلامية" التي فرت من قسورة الجيش الأثيوبي المدعم من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي تستخدم الذراع الطويلة لأثيوبيا للحفاظ على مصالحها في القرن الأفريقي. أما بقية الصوماليين فمصيرهم تحدده أمواج البحر العاتية التي بلعت في أعماقها الفارين من نيران الأنظمة السابقة واللاحقة أو السفن الأميركية الرابضة على قلوب الصوماليين منذ سنين لالتقاط بقايا الفارين من أنصار "المحاكم الإسلامية" التي وصمت بالتطرف والإرهاب ودعم "القاعدة" في وقت حرج للغاية اختلط فيه الحابل القادم أثيوبياً بالنابل المرابط على أرض الصومال. وتصريحات بعض الدول العربية حول موقفها المتراخي من اختراق سيادة الدول بذرائع شتى أعطت الضوء الأخضر للأثيوبيين العابثين في أرض العرب والمسلمين لإتمام المهام والأهداف التي دخلت من أجلها، ومن ثم لكل حادث حديث طويل من التفسير والتحليل الممل لمجريات الأحداث الدامية هناك. ترى من يملك مفتاح الحل في الصومال الذي قد يتبخر أمره ويتفرق دمه بين القبائل الأفريقية والعربية والإسلامية والغربية، فلم تعد لأي إطار قيمة تذكر على أرض الواقع، ويبدو أن الكلمة الفصل ستكون للمدافع والطائرات وغيرها من وسائل الدمار والقتل العشوائي. فإذا كانت أعمدة الحكومات السبع في الماضي القريب لم تجن على شعبها غير البراقش، فماذا يمكن للحكومة المحلية المدعومة من أثيوبيا العدو الصديق في هذه المرحلة فعله لجلب الاستقرار إلى هذه المنطقة المشتعلة منذ عقود. ولم يبقَ لنا غير البعد الدولي أو العالمي المتمثل في الأمم المتحدة الذي غادر أمينه العام الإفريقي أروقتها منذ أيام دون أن يضيف إلى الملف الصومالي شيئاً يذكر. أما الأمين العام الجديد والآسيوي فقد جعل من أولويات عمله الملف الخاص بدارفور والسودان، الذي طالت فيه المخالفات الإجرامية جنوداً تابعين لهذه الهيئة الأممية الذين مارسوا أفعالاً لا تليق بهيبة ومكانة هذه المنظمة الدولية التي هي بحاجة إلى إصلاح شؤونها أولاً، حتى تتمكن من أداء دور ما في خضم الأحداث المأساوية المتتالية في مختلف البقاع الساخنة، والتي تبحث عن ورقة توت تستر بها عورات المنظمات التي لم تستطع فعل ما تصبو إليه الشعوب التي تبحث عن قشة تحافظ بها عن بقايا وجودها بدل القشة التي تقصم ظهر البعير في كل دورة من دورات الحكم في العالمين العربي والإسلامي.