قبل أن يتم إعدام صدام حسين آخر الشهر الماضي، كنت أتساءل عما إذا كان المسؤولون العراقيون يفكرون في هذا السؤال: هل إعدام ديكتاتور سابق هو أفضل ما يمكنهم عمله في لحظتهم الراهنة؟ أم أن الأفضل أن يتم الإبقاء عليه في السجن وتركيز الموارد المتاحة على قمع العنف في بغداد والعمل على الدعوة للتضامن بين كافة الأطياف العرقية والدينية والإثنية في العراق؟ ليس هناك خلاف على أن صدام حسين كان طاغية دموياً، وأنه كان يجب أن يُحاسب على ما اقترفت يداه من جرائم، ولكن المفارقة الساخرة والمريرة هي أن يؤدي إعدامه إلى خلق صدع جديد في العلاقة بين سكان العراق الذين يفترض أنهم يحاولون في الوقت الراهن لملمة شتات أنفسهم. إن المصالحة عامل بالغ الأهمية في أية عملية من عمليات بناء الأمم. ففي العالم المثالي يفترض أن تعمل العدالة والمصالحة جنباً إلى جنب لوضع حد للمظالم الجماعية، وكسر دوائر الاتهامات والاتهامات المضادة. وبناء على ذلك، فإنني أشك في أن يؤدي الفيديو الساذج الذي تم بثه عن إعدام صدام إلى تشجيع روح الوحدة الوطنية في العراق، لأن ما تم أثناء ذلك الإعدام تجاوز الخط الفاصل بين العدالة الانتقام. وموضوع المصالحة برز بشكل واضح في العديد من المقالات التي كتبت لتأبين الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد الذي رأى -عقب توليه الحكم بعد ريتشارد نيكسون الذي استقال عقب تداعيات فضيحة "ووترجيت"- أن مصلحة أميركا تستدعي العفو عن الرئيس السابق. إن التاريخ وحده هو الذي يمكن أن يحسم الجدل حول ما إذا كان "فورد" قد أصاب بقراره هذا أم أخطأ. ولكن الشيء الذي لا يخامرني أي شك بشأنه هو أن "فورد" كان يعتقد أن ذلك العفو هو أفضل ما يمكن عمله لتجنب حدوث المزيد من الضرر لسمعة أميركا في ذلك الوقت. والرئيس جيمي كارتر اتخذ خطوة مشابهة عندما تولى الحكم وذلك عندما قام بالعفو على كل المتهربين من التجنيد إبان الحرب الفيتنامية. وفي الحقيقة أن الرئيسين بموقفيهما هذين كانا يقولان بشكل واضح إن الموضوع الذي قام كل منهما بمنح العفو بشأنه لم يعد مطروحاً على الأجندة الجماعية للأمة في الوقت الذي قاما فيه بذلك. ولكن التخفيف من حدة موضوع من الموضوعات التي تنقسم أمة بشأنها ليس من الضروري أن يؤدي للمصالحة. فأميركا ذاتها مرت عبر مسيرتها الطويلة والصعبة بفترات من الصراع وبفترات من التعايش السلمي. والحقيقة التي كثيراً ما يتم التغاضي عنها أن كثيراً من المستعمرات التي كانت موجودة في أميركا إبان ثورتها لم تكن راضية عن تلك الثورة مما دفع الكثيرين من المقيمين فيها بعد أن تعرض الجيش البريطاني للهزيمة إما إلى العودة إلى بريطانيا أو الرحيل شمالاً إلى كندا. وفيما يتعلق بالعراق، فإن العديد من المحللين ارتأوا أن هناك حاجة لخلق إطار سياسي يقدم "حوافز" للجماعات المتناحرة لإغرائها بالتعاون، والعمل معاً وتحقيق المصالحة فيما بينها. وفي الحقيقة أنه لا توجد هناك نماذج موحدة يمكن تطبيقها لتحقيق المصالحة وإنما يجب على كل مجتمع أن يقوم بتصور الطريقة التي يمكنه أن يقوم من خلالها بذلك والتي تعتمد على سياقه الثقافي والتاريخي. إن بعض آثار الغضب والكراهية اللذين اكتنفا أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية لا تزال باقية حتى الآن في العديد من أجزاء القارة.. فهل سيأتي يوم يمكن أن تختفي فيه تلك الآثار تماماً؟ وإلى متى ستتبقى بعض الآثار المريرة لسياسات التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا السابقة؟ ليست هناك إجابات سريعة يمكن تقديمها على تلك الأسئلة. بيد أن هناك اً مأثوراً قديماً يمكننا أن نستعين به في هذا السياق وهو ذلك الذي يقول: "إن القصاص والضغينة يسيران بسرعة هائلة إلى درجة أنهما يمكن أن يكونا قد قطعا نصف العالم قبل أن تتمكن المصالحة من وضع أقدامها على الأرض". وحتى بعد أن تضع المصالحة أقدامها على الأرض فإن هذا ليس هو خاتمة المطاف إذ ينتظرها بعد ذلك جهد شاق وطويل. جيفري شافر صحفي أميركي متخصص في شؤون الإعلام والثقافة والتاريخ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"