لبنان والسقوط الإسرائيلي
سقط "دان حالوتس" رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، فلا أسف عليه. قد يلحق به رئيس الحكومة "إيهود أولمرت" ووزير الدفاع "عمير بيريتس"، فهذا ما أتمناه ولا أسف عليهما. بل هذه هي النتيجة الطبيعية لسقوط حربهم على لبنان. ويجب معرفة كيفية التعاطي مع هذه النتيجة بل كان يجب معرفة التعاطي معها من الأساس بعد الحرب. أي تسخير كل الإمكانات لتثبيت الوحدة الوطنية اللبنانية وتسليط الضوء على الانقسام في إسرائيل. إبقاء المأزق في إسرائيل ورصد تفاعلاته والخروج من الحرب في لبنان إلى مزيد من العمل الجدي لمعالجة نتائجها والأضرار التي لحقت باللبنانيين. وهذا ما لم يحصل للأسف حيث إن المقاومة دخلت زواريب اللعبة السياسية الداخلية، وبشكل لا يعبـّر عن خبرة كافية في التعاطي مع الأمور الداخلية، وبذهنية المنتصر على إسرائيل والقادر على الانتصار على الآخر -الذي كان شريكه في الانتصار- وهذا ما أدى إلى أزمة ومأزق في لبنان، وإلى تقدم حالة أو محاولة الانفراج في إسرائيل على حالة المأزق.
اليوم عاد أولمرت وأركان عصابته إلى المأزق. وهذا شيء إيجابي. يتطلب مواكبة دقيقة لمعرفة ورصد كيفية التعاطي الإسرائيلي معه. وإذا سقط أولمرت من سيكون البديل؟ هل استفادوا جميعاً من دروس الحرب الماضية؟ أم أننـا سنكون أمام "بطل" جديد، كما درجت العادة الإسرائيلية، يأتي ليثبت حضوره وقوته وإيمانه بخدمة إسرائيل من خلال المزيد من التهور والقتل والإرهاب؟ وهل سيكون الطقم البديل أكثر مرونة وليونة وواقعية في التعاطي مع لبنـان وفلسطين وكل الواقع العربي؟ وإلى أين تسير المؤسسة العسكرية؟ هل اقتنع الجميع بأن خيار الحرب لا يمكن أن يرسي أمناً واستقراراً؟ وأن خيار التسوية المتبقية على الاعتراف بحقوق الآخرين هو الضمان للأمن؟
ثمة نقاشات في إسرائيل حول هذه النقاط. وحول الدخول في مفاوضات مع سوريا أو استكمال المفاوضات معها بالأحرى، لاسيما بعد نشر المعلومات التي تحدثت عن تقدم كبير في هذا المجال واستعدادات من قبل الطرفين. وفي هذا المجال ثمة إسرائيليون يقولون إن الإدارة الأميركية تمنعهم من استكمال المفاوضات مع سوريا وثمة إسرائيليون آخرون يقولون إنه لا يجوز لهم "أدبياً" الدخول في مثل هذه المفاوضات والولايات المتحدة في مشكلة كبيرة مع سوريا. وثمة سوريون يقولون: نريد التفاوض وليس من النقطة التي وصل إليها في السابق وعلى الإسرائيليين أن يجربوننا لكن هؤلاء لا يتجاوبون أو بعضهم لا يعطي لفرصنا آذاناً صاغية، كذلك فالأميركيون لا يريدون الحوار! وفي أميركا ثمة من يقول: إن السوريين يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر. وثمة آخرون يهمسون: الإسرائيليون لا يريدون حواراً مع سوريا، ولكنهم في الوقت ذاته لا يريدون المساس بالنظام القائم فيها.
كل هذه النقاشات دائرة اليوم ونتائج الحرب الأخيرة على لبنان أساس فيها، ويجب مراقبة الوضع الإسرائيلي والتغييرات في الداخل الإسرائيلي بدقة، كي لا يخطئ أحدنا الحساب.
فالسقوط "العسكري" الإسرائيلي، والأمل بأن يتبعه سقوط سياسي في كيان الإرهاب المنظم في هذه المنطقة، هو نتاج صمود اللبنانيين واستشهاد أبطال مقاومين في التصدي للحرب الإسرائيلية، وعلينا أن نعرف كيف نحمي إنجاز صمودنا. وكيف نثمر إنجاز سقوطهم. ولا أعتقد أن حماية إنجازنا تكون بالتخوين والوعيد والتهديد في الشارع ولا بالتهديد بقطع الطرقات التي دمرتها إسرائيل انتقاماً منا جميعاً ولا بإقفال المطار والمرافئ التي أقفلتها إسرائيل لمحاصرتنا، وفتحت بسبب صمودنا جميعاً. بل تكون بمزيد من الإنتاجية في العمل والحوار الجدي الصادق والمسؤول والحر، أي النابع من إرادتنا وقناعاتنا ومصلحتنا لا من إرادة وقناعة ومصلحة غيرنا.
وحماية إنجازنا وتثمير سقوط الآخرين يكون برفع مستوى تضامننا ووحدتنا إلى أعلى مستوى، ولا يأتي من طريق التسبب في فتن مذهبية وطائفية. لأن استمرار مثل هذه السياسة التي يعتمدها بعض أركان المعارضة إنما يؤدي إلى مزيد من التفكك في الداخل وعدم القدرة على تدفيع العدو مجدداً المزيد من الأثمان بسبب حربه، بل يعود هو في الداخل إلى ترتيب وتركيب وضعه وآلياته ورسم سياساته فيلتقط أنفاسه ونكون نحن هنا كمن يختنق أو يخنق بعضه بعضاً في ظل هذه الأوضاع الصعبة.
ليس جديداً القول: حرام التضحية بجهاد المقاومين واللبنانيين الصابرين الذين حموا المقاومة على مدى عقود من الزمن واحتضنوا إخوانهم وأهلهم في كل المناطق أثناء الحروب المتتالية، وكانوا كلمة واحدة في وجه الاحتلال. وحرام التفريط بوحدتنا مهما تنوعت آراؤنا وأفكارنا. وإذا كنا فعلاً مدركين أن ثمة متغيرات تنتظر المنطقة بدءاً من العقوبات على إيران ومروراً بالحرب القذرة المفتوحة في العراق، والطابع المذهبي الطاغي عليها خصوصاً بعد إعدام صدام حسين بالشكل الذي أعدم به أو في التوقيت الذي اعتمد، وبعده برزان التكريتي وعواد البندر، وما أثاره ذلك من ردود فعل في عدد من العواصم العربية والإسلامية، وما حصل في لبنان من استفزاز لمشاعر معينة وما خلفه الفلتان في بعض شوارع العاصمة وبعض التصريحات والمواقف المتشنجة التهديدية التخوينية، كل ذلك لا يسمح بمواجهة جدية ومضمونة النتائج لهذه المتغيرات. فإسقاط الفتنة المذهبية والطائفية في لبنان لا يكون بنكء جراح الحرب ولا بالتلويح بحروب جديدة، ولا بالحديث عن انقلابات وتغيير معادلات وتوازنات تمس جوهر اتفاق الطائف دستور البلاد. ولا حل لأزمتنـا إلا بالحوار بيننا!
سقط "دان حالوتس" بعد أن دان حاله ودانـه كثيرون فمبروك هذا السقوط لمن تسبب به.
يسقط أولمرت وبيريتس وكل أركان العصابة. عسى أن يحصل ذلك قريباً.
أنفرح لذلك؟ نعم. من كل قلوبنا. لكن فرحتنا الكبرى تكمن في عدم الاحتكام الدائم للعقل لمنع سقوط لبنان؟