الدرهم أمام اختبارات صعبة
عادت العلاقة بين الدرهم الإماراتي، وربما العملات الخليجية جميعها، والدولار الأميركي لتطرح نفسها مجدداً، بعد تصريحات محافظ مصرف الإمارات المركزي، مؤخراً، والتي أشار فيها إلى "أن البنوك المركزية لدول الخليج العربية تعيد النظر في ربط عملاتها بالدولار وقد تتفق في مارس على التحول إلى عملة أخرى أو سلة عملات"، في ظل استمرار تراجع الدولار أمام "اليورو" وارتفاع معدلات التضخم المستورد. هذه التصريحات تؤكد وتسوق من الحجج ما يبرر ضرورة التمسك بربط العملة المحلية بالدولار باعتباره الخيار الأفضل، كل ذلك ربما يشير إلى أزمة سيواجهها الدرهم خلال المرحلة المقبلة، بعد أن سجل تراجعاً كبيراً أمام العملات العالمية الرئيسية، خلال العام المنصرم، حيث تراجع سعر صرف الدرهم مقابل الجنيه الإسترليني بنسبة 12%، بينما تراجع سعر صرفه مقابل "اليورو" بنسبة 10%، بسبب ارتباط الدرهم بالدولار الذي يشهد هبوطاً كبيراً في قيمته أمام هذه العملات، هي الأكبر والأطول خلال ثلاثة عقود، بينما يشكل أي انخفاض في قيمة الدولار انخفاضاً "آلياً" مباشراً في قيمة الدرهم في مقابل العملات الأخرى وبالنسبة نفسها تقريباً.
هكذا يدخل الدرهم الإماراتي واحدة من أكثر المراحل صعوبة، حيث يقترب العالم تدريجياً من نظام نقدي جديد ثلاثي الرؤوس، يمثلها الدولار و"اليورو" ومجموعة العملات الآسيوية، خاصة "اليوان" الصيني و"الين" الياباني، أو عملة آسيوية مشتركة. إلا أن البحث في مستقبل علاقة الدرهم بالدولار هي عملية بالغة التعقيد من الناحية العملية، وأن القرار بشأنها يعد من أصعب القرارات، حيث يتطلب ذلك سياسة نقدية بديلة، من خلال موازنة دقيقة لسلبيات وإيجابيات هذا التحول، خاصة وأن ربط الدرهم بالدولار يدعمه العديد من المبررات المنطقية التي ربما لا تتوافر، حتى الآن، في أي عملة عالمية أخرى بمفردها، كما أن انخفاض قيمة الدولار ليس شراً كله، بل إن العديد من القطاعات الاقتصادية المحلية تستفيد كثيراً من هذا الانخفاض.
لاشكّ في أن ربط سعر صرف الدرهم بالدولار سلاح ذو حدين، ففي حالة انخفاض الدولار يكون ذلك إيجابياً للسلع والخدمات الإماراتية المصدرة إلى الأسواق الخارجية، وتحديداً إلى مناطق خارج نفوذ الدولار، بحيث تكون أرخص وتملك قوة تنافسية أكبر، وفي المقابل فإن الاستيراد من غير منطقة الدولار تكون ذات تكلفة عالية حيث يتم استيراد سلعٍ غالية الثمن نسبياً، تتسبب في رفع معدلات التضخم في السوق المحلية. هذه الازدواجية في الأثر المترتب على انخفاض الدولار قد أحدثت تحولات هيكلية وجغرافية ذكية في تجارة الإمارات الخارجية خلال الفترة الماضية، حيث تشير الإحصاءات إلى تركيز واضح على الاستيراد من مناطق نفوذ الدولار أو من الدول التي تمتاز بمنتجات رخيصة نسبياً، خاصة الصين، وفي الوقت نفسه تجنب هذه الدول كأسواق للصادرات، وهو ما يفسر نمو حجم واردات الإمارات من السوق الأميركية، خلال العام الماضي، بنسبة 50% تقريباً إلى نحو (45) مليار درهم، بينما لم تتجاوز الصادرات الإماراتية إلى السوق الأميركية (6) مليارات درهم فقط، أما بالنسبة إلى الصين فقد بلغت صادراتها إلى السوق الإماراتية، خلال العام المنصرم، (37) مليار درهم تقريباً وهو ما يزيد على أربعة أضعاف وارداتها من الإمارات بما في ذلك النفط ومشتقاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.