شهد الأسبوع الماضي احتفالا بعيد ميلاد أكبر أفراد الجنس البشري سناً، وهي السيدة اليابانية كاماتو هونجو، والتي تخطت هذا الأسبوع سن السادسة عشرة بعد المئة· وتعيش السيدة هونجو على جزيرة توكيونوشيما، التي كانت موطنا لرجل وصل إلى سن العشرين بعد المئة أيضا، وهو أكبر عمر عرفه الجنس البشري على الإطلاق· وعلى رغم الفرحة التي سادت احتفالات عيد الميلاد هذا، إلا أنها كانت فرحة ممزوجة بالقلق على الاتجاهات المستقبلية لسكان الجزر اليابانية، ومعهم شعوب القارة الآسيوية كلها· ففي اليابان يوجد حاليا أكثر من عشرين ألف شخص، تخطوا جميعهم سن المئة، وهو الرقم الذي يشهد ازديادا مستمرا· وعلى رغم ما تظهره هذه الأرقام من نجاح مذهل لجوانب عديدة من المجتمع الياباني، مثل كفاءة الرعاية الصحية، وفاعلية الضمان الاجتماعي للمسنين في ظل خلفية من الترابط والرعاية الأسرية· إلا أن هذا النجاح يحمل في طياته العديد من المشكلات الاقتصادية-الاجتماعية للشعب الياباني ومعه بقية الشعوب التي تمر بظروف مشابهة·
أهم تلك المشكلات يمكن تلخيصه في تناقص حجم شريحة الأيدي القادرة على العمل والإنتاج، في وقت تتزايد فيه باستمرار أعداد الأيدي المنتجة التي أحيلت إلى التقاعد· فالشعب الياباني -والثابت تقريبا عدد سكانه الإجمالي- يشهد اختلالا مطردا في أعداد الشباب القادرين على العمل والإنتاج، مقارنة بأعداد المسنين المحتاجين للدعم والرعاية· هذا الوضع يضعف من إنتاجية اليابان ومن قدرة شعبها على المنافسة مع شعوب الدول الأخرى، ويضع ضغوطا هائلة على نظام الضمان الاجتماعي لمواطنيها· فالتناقص المستمر في الأيدي العاملة يعني تناقصا مماثلا في الضرائب التي تجنى وتغذي بدورها المحفظة المالية لنظام الضمان الاجتماعي، في الوقت الذي تتزايد فيه نفقات هذا النظام بسبب تزايد أعداد المتقاعدين والمحتاجين للمساعدة من خزينة التكافل الاجتماعي· وهو ما يعني أن هذا النظام وخلال سنوات قليلة، سوف يصاب بالإفلاس والانهيار التام·
هذا الوضع المختل في التركيبة السكانية، أصبح لا يقتصر فقط على اليابان، بل امتد ليشمل أكثر من أربعة عشرة دولة آسيوية أصبحت جميعها تعاني من مستوى إنجاب أقل من المستوى المطلوب للوصول إلى حالة من التوازن السكانــــــي مـــــــن خـــــــلال الإحـــــــلال الطبيعي )level tnemecalper( هذا التوازن أو الإحلال الطبيعي يتم الوصول إليه عندما يبلغ عدد المواليد الجدد الحد المناسب لاستبدال أفراد الأجيال السابقة الذين وصلوا إلى سن التقاعد·
ففي خلال العقود الخمسة الماضية، شهدت تلك الدول الآسيوية (نجاحا مذهلا) في خفض معدلات الإنجاب، ترافق معه نجاح آخر في خفض عدد الوفيات بين المسنين من خلال تطوير الرعاية الصحية والاجتماعية المقدمة لهم· فخلال تلك الفترة الزمنية أصبحت النساء الآسيويات ينخرطن في أعمال مهنية بمعدلات أكبر مقارنة مع أسلافهن، وهو ما يعني في الكثير من الحالات تأخير سن الزواج مع إنجاب عدد أقل من الأطفال بعد الزواج· ولو أضفنا إلى ذلك زيادة متوسط العمر وزيادة أعداد من تعدوا سن الإنتاجية ووصلوا إلى سن التقاعد، لأدركنا بسهولة لماذا أصبحت تحذيرات خبراء السكان في القارة الآسيوية تتصاعد باستمرار من عواقب وخيمة على القارة إذا ما استمر الوضع كما هو عليه خلال العقود القادمة· فاستمرار الحال كما هو عليه يعني تزايد أعداد الشيوخ والمصاحب بتناقص أعداد الشباب القادرين على توفير الرعاية المادية والصحية لهم، مع تناقص الطاقة الإنتاجية للقوة العاملة بشكل عام· هذا الوضع سيزيد من تفاقمه الميل المتزايد بين الشباب الآسيوي صاحب المهارات المميزة للهجرة إلى الدول الغربية· هذه التوقعات المستقبلية أصبحت حاليا واقعا ملموسا كما ذكرنا في اليابان، مع التوقع أن تنزلق سنغافورة إلى الوضع نفسه بحلول عام ،2020 ومن بعـــــــــدها الصين أكبر دول العــــــــالم من حــــــيث عدد السكان بحــلول عام ،2035 حسب توقعات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسـيا والمحيـــط الهــــــادي التابـعـــــــة للأمــــم المتـــحدة cificaP eht dna aisA rof noissimmoC laicoS dna cimonocE s'noitaN detinU ehT
المعروفة اختصارا بيونيسكاب) )PACSENU( وتشارك العديد من المنظمات الدولية الأخرى يونيسكاب توقعاتها المستقبلية للتركيبة السكانية الآسيوية، وتشير جميعها إلى أن شعوب آسيا سوف تشيخ بتزايد عدد المسنين فيها مقارنة بعدد الشباب، وبمعدلات لم تحدث في تاريخ الجنس البشري من قبل· ظاهرة شيخـــــــوخة المجتمعـــــــــات هذه )yteicos gniyarg(، والتي ظهرت بشكل واضح أثناء الثورة الصناعية في أوروبا، يمكن إلقاء اللوم على التقدم الصناعي والتكنولوجي في تكرارها في المجتمعات الآسيوية حاليا· ولكن يبقى التطور الهائل في المجال الطبي وخصوصا نوعية الرعاية الصحية المقدمة للمسنين مع سهولة وتوفر وسائل منع الحمل، هو العامل الرئيسي في حدوث هذه الظاهرة بمعدلات متضاعفة في السرعة والأثر عما حدث أثناء ثورة