رسائل متضاربة تضرّ بجهود التوطين
ليس هناك أدنى شك في أن بذل أي جهود إعلامية، أو تبنّي إجراءات تحفيزية من جانب وزارة الصحة لتشجيع المواطنات على الالتحاق بمعاهد التمريض، يظل مرهوناً بالواقع الفعلي، ومستقبل خرّيجي هذه المعاهد على أرض الواقع، بحيث يبقى من الممكن نسف كل هذه الجهود والمغريات الإدارية أو المادية في حال ظهور واقعة واحدة، تشير إلى تجاهل وزارة الصحة توظيف عدد ولو قليل من خريجات معاهد التمريض.
منذ يومين تحدثت وزارة الصحة عن ارتفاع نسبة التوطين في مهنة التمريض في بعض المناطق الطبية التابعة للوزارة ووصولها إلى 15%، وكشفت عن أن الوزارة ستحتفل، خلال الشهر الجاري، بتخريج دفعة جديدة من الممرضات المواطنات تضم نحو 60 ممرضة، وأن هناك إقبالاً قياسياً من المواطنات على الدراسة في معاهد التمريض، وأن هناك تغيراً إيجابياً في القناعات، وتحوّلاً ملموساً في الصور النمطية السلبية التي كانت تلاحق مهنة التمريض في فترات سابقة.
وزارة الصحة تتحدث على لسان مسؤوليها، بما يعكس جدياً اقتناعاً واضحاً بالقيمة النوعية لمهنة التمريض، وأهمية توطين هذه المهنة، في ظل صعوبة استقطاب كوادر أجنبية مميزة في هذه المهنة، وفي ظل الحرص على استمرارية التميز وتراكم الخبرات في وظيفة حيوية كهذه، خصوصاً أن هناك استنزافاً واضحاً لمهنة التمريض، بسبب هجرة الكثير من الكوادر القادمة من جنوب شرق آسيا إلى الدول الغربية التي تعاني عجزاً هائلاً في مهنة التمريض.
وسط هذا الحديث وتلك القناعات الإيجابية، يبدو مستغرباً أن تنسب صحيفة محلية إلى العديد من خريجات الدفعة الثالثة بمعهد التمريض برأس الخيمة قولهن، إنهن يعانين البطالة بسبب تأخر وزارة الصحة في إيجاد الشواغر لهن، رغم تخرجهن في الربع الأخير من العام الماضي! حتى إن البعض منهن يزعمن أن طلبهن التدريب التطوعي في المرافق الصحية، قد قُوبل بالرفض من جانب المسؤولين "لتعارضه مع الأنظمة والضوابط المهنية"!
الرسالة المزدوجة أو بالأحرى المتضاربة النابعة من التباين الواضح بين السياسات الوظيفية المعلنة، وتلك المطبّقة على أرض الواقع، تضرّ بأي جهود تبذل، ليس فقط على صعيد التوطين، ولكن أيضاً على صعيد التخلص من "ثقافة العيب"، وتشجيع المواطنين والمواطنات على الالتحاق بمهن ووظائف تقليدية ومهمة ولكنها لا تلقى القبول عادة بسبب أفكار نمطية سلبية التصقت بهذه أو تلك من المهن والوظائف التي يحتاجها المجتمع بشدة.
وإذا كان رفض قبول الممرضات كمتدربات متطوعات في المرافق الصحية لا يبدو مفهوماً، لأن التطوع لا يعني بالضرورة أن تُسند إليهنّ مهام وتكليفات قد تنتج عنها أخطاء طبية يخشى من توابعها الصحية والقانونية والإدارية، فمن الضرورة إذاً إيجاد نوافذ فرص للتخلص من عقبة "الشاغر الوظيفي"، أو تجاوزها ولو بشكل مؤقت لحين توافر هذا الشاغر. ومن المتصور أن إتاحة المجال أمام خريجات مواطنات للتدريب بمكافأة معقولة نسبياً، أو التعيين بعقود مؤقتة، قد تكون بدائل متاحة.
الفكرة الشائعة التي يستند إليها الكثيرون في تفسير أسباب بطالة المواطنين، تتمثل في التباين والخلل الهيكلي القائم بين التعليم واحتياجات سوق العمل المحلي، ولكن وجود بطالة بين فئات مثل الممرضات وخريجي الكليات التقنية وغيرهم من الشرائح التي يحتاجها سوق العمل بإلحاح، يبدو مثيراً للتساؤل والاستغراب في آن واحد.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية