يبدو أن موضوع كوسوفو دخل مراحله ما قبل الأخيرة باجتماع "مارتي آتيساري"، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المكلف بالبحث في مستقبل وضع كوسوفو، بأعضاء مجلس الأمن في لقاء مغلق يوم الثلاثاء الماضي، وذلك لمناقشة المقترح الأممي الذي ينص على منح إقليم كوسوفو الاستقلال عن صربيا، لكن مع بقائه تحت الإشراف الدولي على الأقل لفترة معينة. ورغم الآمال العريضة التي يعلقها المجتمع الدولي على المقترح الجديد في إيجاد حل لمسألة كوسوفو، فقد حذر المبعوث الأممي من أن الطريق "بالكاد بدأت"، في إشارة إلى الصعوبات التي تنتظر عملية إقرار المقترح ومصادقة الأطراف المعنية عليه. وحسب المقترح الذي يروج له "مارتي آتيساري"، فستحصل كوسوفو على استقلال حقيقي تتمتع بموجبه بمقتضيات السيادة المتعارف عليها من مؤسسات مدنية وجيش فضلاً عن دستور وعلم. لكن في الوقت نفسه يطالب المقترح بإشراف بعثة أوروبية على الإقليم بهدف توفير الحماية للأقلية الصربية التي تعيش في كوسوفو. وتعود جذور الصراع في الإقليم إلى عقد التسعينيات عندما نفذ الصرب مذابح ضد الألبان المسلمين، ثم شنت حركة انفصالية قتالاً مريراً ضد قوات الأمن الصربية انتهى بتدخل حلف شمال الأطلسي وإخضاع كوسوفو لإشراف الأمم المتحدة. ومع أن الإقليم يتمتع بسلطات واسعة في إدارة شؤونه الداخلية، إلا أن صربيا تصر على معارضة انفصال كوسوفو. ومن بين الأطراف الدولية التي عبرت عن تأييدها للمقترح الأممي الذي يقع في 61 صفحة، تبرز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين وافقا على ما جاء به "مارتي آتيساري". ومازالت تواجه الأمم المتحدة مسألة تحديد موعد نهائي لانفصال كوسوفو عن صربيا باعتبارها الحلقة الأخيرة في مسلسل تفكيك يوغوسلافيا السابقة، إذ لم يتم بعد التوصل إلى إجماع دولي حول استقلال كوسوفو بسبب التحفظات التي تبديها بعض الأطراف. ويعبر عن هذه الصعوبات التي تحيط تطبيق ما جاء في المقترح الأممي السفير الفرنسي في الأمم المتحدة "جان مارك دي لاسابليير"، بقوله في إحدى دورات مجلس الأمن: "لن يتمكن المجلس من تأمين إجماع حول الانفصال بين عشية وضحاها، فالأمر يتطلب بضعة أسابيع". ولعل ما يشغل أوروبا أكثر من أي شيء آخر حسب السفير الفرنسي هو "ضمان الأمن والاستقرار داخل أوروبا، واستكمال عملية تقسيم يوغوسلافيا السابقة، وهو أمر دقيق ويحتاج لبعض الوقت". وأكد "دي لاسابليير" نافياً ما تردد حول إمكانية إلغاء مسألة الانفصال: "إن الإبقاء على الوضع الراهن ليس من الخيارات المطروحة، لأن ذلك سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار". من جانبه اقترح "فيتالي شوركين"، السفير الروسي لدى الأمم المتحدة تشكيل بعثة أممية تتوجه إلى صربيا لشرح مقترح المبعوث الأممي، ثم بعدها تعرج على بريشتينا، عاصمة كوسوفو، قبل بدء المناقشات في مجلس الأمن للبت في مسألة انفصال كوسوفو. ويبدو أن الأطراف الأخرى في مجلس الأمن مستعدة لتنفيذ الاقتراح الروسي عله يفضي إلى توافق في الرأي حول منح كوسوفو الاستقلال مع تأمين الحماية للأقلية الصربية في الإقليم. وقد اعترضت روسيا، والتي تملك حق "الفيتو"، على مقترح "آتيساري" الداعي إلى انفصال كوسوفو، مطالبة بتعيين مفاوض جديد يستطيع تحقيق إجماع بين الأطراف المعنية. لكن المراقبين يحذرون من تجدد أعمال العنف بين الجماعات العرقية المختلفة في الإقليم، ومن احتمال استهداف الإدارة الدولية التي تشرف على كوسوفو إذا ما تأخرت الأمم المتحدة في الوصول إلى حل. وفي الوقت نفسه ينبِّه المراقبون من مغبة الاستعجال في اتخاذ قرار لا توافق عليه صربيا ما قد يسهم في زعزعة الاستقرار. ولتقريب وجهات النظر سمح مجلس الأمن، استناداً إلى بعض القواعد المعمول بها، بمشاركة رئيس الوزراء الصربي "فويسلاف كوستونيتشا" في المداولات قبل أن يطرح المبعوث الأممي مقترحه. كما سُمح أيضاً لرئيس كوسوفو "فاتمير سيجديو" بالحضور، حيث ألقى مبعوثه الخاص كلمة باسمه. وفي الاجتماع عبر رئيس الوزراء الصربي بوضوح عن رفض بلاده لانفصال كوسوفو قائلاً "إننا بحاجة إلى مفاوضات جديدة، وشخصية جديدة للإشراف على المفاوضات"! دانيال شنايدر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو هيئة تحرير "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"