أيهما أخطر على حاضر ومستقبل العرب: إسرائيل أم... إيران؟ أول ما يرد إلى الذهن هنا طبعاً هو أن إسرائيل تحتل، بطريقة غاشمة، أراضيَ عربية هي فلسطين، من النهر إلى البحر، والجولان ومزارع شبعا، وأن إيران تحتل أيضاً، بطريقة أغشم وأظلم، أراضيَ عربية أخرى هي الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وأن إسرائيل منذ زرع كيانها اللقيط في المنطقة العربية عُرفت بالعمل على التخريب والتفتيت لكل دولة من دول المنطقة على أسس عرقية وطائفية ودينية حتى تكون الدولة العبرية هي الكيان الطائفي العنصري المهيمن إقليمياً، وهذا ما نرى استنساخه الآن حرفياً في السياسة الإيرانية من خلال العمل على إثارة الفتن والنعرات لتفتيت وتفكيك العراق ولبنان واليمن، وربما تمتد الأيادي إلى بعض دول الخليج وسوريا وشمال أفريقيا أيضاً. والإسرائيليون يسعون الآن بإصرار لفرض مشروع "شرق أوسطيتهم" المشبوهة المشؤومة على المنطقة العربية ممتطين بانتهازية القطار الأميركي الأهوج، والإيرانيون يسعون هم أيضاً لفرض "شرق أوسطيتهم" الخاصة –هل أقول: المُضادة؟- مستغلين فجاجة وقصر نظر السياسات الأميركية في المنطقة، وسائرين في حاشية مشروعات واشنطن، بخيرها وشرها، وحُلوها ومرِّها. والطرفان يفعلان ذلك طبعاً بسوء نية وبغير قليل من أساليب الكيد والمكر، وفي استغلال واضح لغياب أي مشروع أو رؤية عربية، من شأنها أن تكون حاضنة للنظام الإقليمي العربي، أو مصدَّة لخطر تداعي الأطماع الإقليمية المتكالبة على العرب، كل العرب. هل هذا كل شيء؟ بقي أن المشروعين الصهيوني والصفوي يتشابهان كذلك تشابهاً يلامس حدود التطابق في سعيهما لإلغاء الواقع القائم في المنطقة العربية، وفي جهودهما المحمومة لإحلال واقع آخر بديل تذوب فيه الهوية العربية وتُسحق وتُلحق وتصفَّى لصالح الطرفين. وهذه حقيقة قائمة ولا يغيَّر منها في شيء اختلاف الآليتين المتبعتين لتحقيقها، أعني "التهويد" من طرف إسرائيل و"التشييع" من طرف إيران. وفي المجمل، يثبت المشروعان، أن كلاً من تل أبيب وطهران لا تملك رؤية ولا رغبة حقيقية للدخول في شراكة من أي نوع إيجابي مع النظام الإقليمي العربي، ربما لأن الأولى تشعر بأن هذا النظام الإقليمي يرفضها وينفيها نشأةً، في حين أن الثانية تشعر بأنه يناقضها مصيراً، ما دام ليس بالضرورة على مقاسات أحلامها وأوهامها الإمبراطورية، ورؤاها الاستعلائية التوسعية، التي لا تشبع ولا ترتوي. وعلى ذكر الأوهام الإمبراطورية والاستعلاء، هل يلزم هنا التذكير بأن العجرفة والاستعلاء على العرب بالذات ليسا خاصين بإسرائيل وحدها، بل إن إيران تتعامل أيضاً بفوقية، ومن طرف الأنف، وبالكاد، مع جيرانها العرب دون سواهم من جميع جيرانها الإقليميين الآخرين كالأتراك والباكستانيين، الذين تقف جيداً عند حدودها، وأكثر، في تعاطيها معهم؟ العجيب في هذه التشابهات أنها تصل أحياناً حدود التطابق، إن لم يكن التواطؤ، وتنضج في سياقاتها جميع أنواع التناقضات، أعني أن إيران وهي دولة جارة، مسلمة، وعريقة ضمن نسيج المنطقة التاريخي، كان يفترض أن تراهن على مستقبلها، على عكس إسرائيل التي هي كيان لقيط وغريب ومغروز بالأمس القريب في المنطقة ولا رهان لديه سوى إشعال النيران والحرائق في هشيمها. والأعجب من ذلك كله، أن الخطر الإيراني يبدو أكبر على العرب لهذا السبب بالذات، ففي مواجهة المشروع الصهيوني يتوحد العرب صفاً واحداً ضد عدو مشترك، وكيان غاصب غريب. أما في مواجهة المشروع الصفوي فالخطر يبدو بدرجة من التعقيد والتمويه من شأنها شق الصف العربي وتمزيقه، من الداخل، بين مؤيد ومعارض. هذا مع أنه لا يكاد يوجد فارق جوهري بين المشروعين، حيث تتفق "مصالح" الفريقين على تشكيل ما يشبه محور أو نادي أعداء العرب، وفي السعي للإجهاز على الرمق الأخير من التضامن العربي، وتحطيم وتهشيم النظام الإقليمي العربي برمته. كما يتفقان على التعامل مع العرب باعتبارهم "غنيمة حرب"، وعلى تقاسم "تركتهم" سلفاً كونهم "رجل العالم المريض" في مطلع القرن الحادي والعشرين. وهي صورة لا شيء ينفيها للأسف، في ضوء دخول التضامن والأمن القومي العربي ومنذ زمن بعيد، في غرف العناية المركزة.