نعلم جميعاً أن شعبية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تكن أبداً أكثر تدنياً عما هي عليه اليوم. ذلك على كل حال هو ما تخبرنا به استطلاعات الرأي، حيث يفيد أحدها صدر مؤخراً عن مؤسسة بروكينجز بأن رئيس الولايات المتحدة بات لأول مرة ممقوتاً من قبل العرب أكثر من رئيس وزراء إسرائيل. ولكن، ما الذي يفسر سعي عدد متزايد من العرب -أكثر من أي وقت مضى- إلى الالتحاق بواحدة من الجامعات الأميركية الأربع المعتمدة في المنطقة –ناهيك عن فروع الجامعات الأميركية التي تنتشر بالمنطقة كالفطر؟ ديفيد آرنولد، رئيس الجامعة الأميركية في القاهرة، التي استقبلت 2500 طلب تسجيل لمقاعدها الألف المتاحة في الفصل المقبل، أي بزيادة تقدر بعشرين في المئة مقارنة مع العام الماضي، يرى أن السبب بسيط إذ يقول: "ثمة طلب كبير ومتزايد على المعايير عالية الجودة للتعليم العالي الأميركي". ومن جانبه، يقول وينفريد إيل. تومبسون، رئيس الجامعة الأميركية في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة: "إنهم معجبون بالمؤسسات الأميركية، وبالتعليم الأميركي، وبالانفتاح الذي يميز مجتمعنا". آرنولد وتومبسون ورئيسا الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة الأميركية اللبنانية كانوا في العاصمة الأميركية واشنطن الشهر الماضي من أجل تقديم هذه الحقيقة للرأي العام ولفت الانتباه إلى الإسهامات والخدمات التي تسديها مؤسساتهم للمصالح الأميركية في المنطقة. واللافت أنهم كانوا حريصين على عدم التعاطف والتقرب كثيراً من إدارة بوش؛ بل يمكن القول إن علاقتهم مع وزارة الخارجية تتميز بنوع من الفتور. والحقيقة أن الجامعات تقدم دليلاً مشجعاً على أن مهمة نشر القيم الديمقراطية والليبرالية في الشرق الأوسط ليست وهمية أو غير عملية؛ ذلك أن الجامعات الأميركية المعتمدة تكوِّن حالياً -وبوتيرة متزايدة- طلاب بلدان مثل مصر ولبنان والأردن والدول الخليجية، وقريباً العراق. كما تدرس المرأة إلى جانب الرجل، وتفتح برامج تعليمية متخصصة في الصحافة على النمط الغربي، وتقدم دروساً في الرأسمالية والعلوم والسياسة؛ وتوفر ساحة للنقاش السياسي والثقافي الحر. وقد استقطبت الجامعات الأميركية الأربع أزيد من 20000 طالب، إضافة إلى 100000 خريج؛ كما أن ما بين عشرين إلى أربعين في المئة من أعضاء هيئتها التدريسية، إضافة إلى رؤسائها، أميركيون. أما البقية، فتضم بعضاً من أكثر المثقفين ليبرالية في العالم العربي، ومنهم منشقون يطالبون بالديمقراطية مثل المصري سعد الدين إبراهيم. كما يدرس في هذه الجامعات عدد مهم من الطلاب الإيرانيين، وإذا كان معظمهم من المقيمين في دول الخليج، فإن أكثر من 100 منهم جاءوا من إيران خصيصاً من أجل الدراسة بها. إضافة إلى ذلك، يوجد بالجامعة الأميركية في بيروت، التي تأسست في 1866 وتعتبر مؤسسةً وطنية في لبنان، المئات من الطلبة من أنصار "حزب الله" -أجل، الحركة ذاتها التي تصنفها وزارة الخارجية الأميركية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. وقد أدت انتخابات الطلبة في نوفمبر الماضي إلى توتر في الحرم الجامعي بين "حزب الله" وأحزاب الحكومة اللبنانية الموالية للغرب -ما عكس الأزمة الأكبر التي تعاني منها البلاد. وقد تم انتخاب اثنين من أنصار "حزب الله" من أجل تمثيل الطلبة. والواقع أن هذا من بين العوامل التي تساهم في قلق وزارة الخارجية الأميركية؛ حيث دار جدل مؤخراً حول قيمة الجامعات الأميركية، فأشار بعضهم إلى أنشطة "حزب الله" ومجموعات متطرفة أخرى مناوئة للغرب في الحرم الجامعي. وفي هذا الإطار، التقى رؤساء الجامعات الأربع بوزيرة الخارجية كندوليزا رايس في اجتماع قصير أثناء زيارتهم لواشنطن، إلا أنهم لم يلتقوا مع كارين هيوز، المكلفة من قبل رايس بـ"الدبلوماسية العامة" في الشرق الأوسط. ويقول رئيس الجامعة الأميركي في بيروت جون وتربوري: "لم نتلق إشارات واضحة"، من الإدارة الحالية، قبل أن يضيف "عندما نتحدث معهم، نتلقى دائماً كلمات مشجعة". بيد أن التمويل قليل وغير منتظم نسبياً حيث لا يتعدى بضعة ملايين سنوياً تُخصص للمنح الدراسية، وإن كانت "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" قد ساهمت بربع الغلاف المالي الضروري لإنشاء حرم جامعي جديد في القاهرة تبلغ تكلفته الإجمالية 400 مليون دولار. أما الجامعة الأميركية في بيروت، فلم يعلَن عن أي تمويل جديد لها حتى الآن، وإن كانت المحادثات مازالت جارية. ولعل من العدل التساؤل حول ما إن كان الإيرانيون والمنتمون إلى "حزب الله" بالجامعات يتشبعون بالقيم الليبرالية أثناء دراستهم بهذه الجامعات -أم يواجهونها. والحق أنه خلال زيارتي لجامعتيْ بيروت والقاهرة ولقائي بالطلبة، بدا لي أن الأمر الأول هو الأقرب إلى الحقيقة. وفي هذا السياق، يقول وتربوري: "نعتقد أننا نُعد زعامة مستقبلية ستكون قادرة على الدخول في حوار بناء مع الولايات المتحدة والغرب". وعليه، فدعونا نأمل أن يكبر هؤلاء الطلبة بسرعة. ــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"